ربما يكون السؤال مبكرا إلي حد كبير.. أعلم ذلك, لكن.. أو ليست النوائب والمواقف العظمي هي التوقيت الأنسب للأسئلة المهمة؟ أعتقد ذلك.
وربما يبدو السؤال غائما, هل يعني ما الذي ينتظرنا علي المستوي الشخصي؟ أم العام؟
بوضوح شديد أؤمن أنه ما من خطب شديد يمر بالإنسان إلا ويحمل رسالة له, أو فرصة لإعادة تقييم أمور حياته, ربما يتنازل عن قناعات راسخة لديه, وربما ينفتح علي عوالم جديدة, ربما يسأل عن أحباء انقطع عنهم أو يتصالح مع عيوب أحباء كان يلومهم عليها, فالأمور الشداد تعيد تقييم المشهد كما تفعل المصائب التي تنزل بالإنسان فتجعله يعرف مكانته في قلوب من حوله, أما علي المستوي العام فإن الخطوب الكبيرة كالتي نواجهها حاليا مع أزمة تفشي فيروس كورونا المستجد, تعيد رسم خرائط المصالح علي مستوي العالم, وتترك آثارها العميقة علي كل الدوائر المحيطة بالفرد حتي تصل لأقربها إليه, وغالبا ما يتعلق ذلك بقدرته علي كسب المال وربما الدراسة, ولا يمكن حدوث ذلك سواء كان تأثيره قويا أو ضعيفا لكنه لابد سيحدث.
وهنا تأتي أهمية أن يقف الإنسان أمام ذاته متجردا من لحظات الهلع الأولي, ومواجها نفسه بكل الحقائق الواقعية التي ستطاله آثاره, وظالم في حق نفسه من لا يفعل ذلك.
جميعنا.. وأقصد علي مستوي العالم, لا يمكن أن نوقن بالآثار النهائية لهذا الفيروس اللعين علي الاقتصاد والصحة والعلاقات الاجتماعية وحرية التنقل في العالم, ويبدو أن الأمر سيتأخر كي نصل إلي نقطة الاستيعاب الكامل لذلك وحسمه بشكل علمي وواضح, لكن علي الأقل لابد أن نتائج بدأت تظهر, علي المستوي الشخصي مثلا, لابد وأن ساعات المكوث الطويلة في المنزل للجميع, حتي وإن تفاوتت بين فرد وآخر, إلا أنها تستدعي مراجعة النفس, بل هي فرصة نادرة في الحقيقة لا تتوافر في سياق الأيام العادية التي نلهث فيها دون قدرة علي التقاط الأنفاس, حتي حين ندعي الترفيه عن أنفسنا نحن في الحقيقة نلهث كي نتحصل علي بعض الترفيه الذي يطفئ لهيب حياة جشعة, نحن لا نفرح ولا نتمتع, ولا نمتلك الوقت كي نعيد تقييم مساراتنا ولهذا فنحن نقع أسري بل عبيدا لدي ماكينة هائلة شديدة السطوة تحركها مصالح لا دخل لنا بها, وحجم استفادتنا الحقيقي لايتماشي مع ثمن التضحيات, والوقت الحالي هو فرصة مثالية للجلوس مع الذات والمصارحة, كي نخطط مساراتنا الشخصية والعملية بشكل أكثر فاعلية ويحقق أهدافا تعود علينا بالفائدة.
أما علي المستوي العام, فهناك درس يجب أن نتعلمه, أن الخطأ لا يجب السكوت عليه, ولا يجب الانصياع لسلوكيات خاطئة فقط لأن الأغلبية تمارسها, ففي النهاية سيطالنا الشر, وحتي إن كان من يقومون بالتصرفات الخاطئة قلة ففي النهاية سيدفع الجميع الثمن, وليس أكبر من الوضع الحالي عقب انتشار الفيروس بسبب استهتار البعض, ولا أتحدث هنا عن سياسات دول أساءت تقييم الموقف في بدايته, بل عن سلوكيات أفراد رأوا أن الضرر سيكون بعيدا عنهم, فدفعوا الثمن هم ومن حولهم, هذا الوضع الحالي والمخيف إلي أقصي درجة هو درس إذا لم يترك أثرا إيجابيا يدفعنا لتقييم علاقة الخاص بالعام فلا أمل في مجتمعنا, ويضع هذا المسئولية علي عاتق الجميع, فمن يملك الوعي عليه أن يساعد الأقل وعيا, ويجب أن ننسي وللأبد قناعات الخلاص الفردي, صحيح أن كل إنسان مسئول عن خياراته, لكن الجائحة لم تميز حين حلت فأذت الجميع.
هناك سلوكيات يجب أن نتخلص منها للأبد فلن تعود حتي بعد انقضاء الوباء بإذن الله, مثل الاستهانة بغسيل الأيدي, والسلام بالأحضان والتقبيل, والأكل والشرب من الشارع دون معرفة المصدر, وعدم الحفاظ علي حدود المساحة الشخصية..
أما التأثير علي علاقاتنا بأعمالنا فبالتأكيد سيكون كبيرا, لن يتكشف كله الآن, لكن المؤكد أن آلية العمل من المنزل سيكون لها شأن آخر, سيتم التعامل معها بجدية, وستمثل بديلا عمليا يوفر نفقات أماكن عمل بلا جدوي, ويقلل الازدحام في الطرق, ويوفر الوقت المهدر في الانتقالات داخل عاصمة كبيرة كالقاهرة.
أشياء كثيرة ستتغير, المهم أن نكون مستعدين لمواجهة التغيير والتفاعل معه بإيجابية.
فاطمة خير
كاتبة
[email protected]