كانت جدتي دائما ما تغضب حين تراني أتناول الفيتامينات والمكملات الغذائية, والتي كنت أتناولها كثيرا للتغلب علي الإرهاق والإجهاد المستمر بسبب العمل, وكانت تنصحني بأن أتناول حزمة جرجير بدلا من هذه الأقراص, كنت أتجاهل نصيحتها لأنني أبحث عن حلول سريعة, ولا أرغب سوي في الشعور بالطاقة والقدرة علي العمل أكثر وأكثر, وفي خضم معارك الحياة اليومية والرغبة في إثبات الذات وملاحقة كل شيء, لم أهتم بتناول طعام متوازن كما تربيت منذ صغري.
بعد سنين طويلة, وارتفاع وعيي بمخاطر المكملات الغذائية دون داع, بدأت أحاول اتباع أنظمة غذائية متوازنة, ثم اكتشفت أنها ببساطة هي ما ربتني عليه أمي, وما كانت تشير به علي جدتي, فصرت أتناول من حزمة الجرجير قدر استطاعتي وأنصح ابنتي بذلك, أصبحت أحرص علي شراء الأوراق الخضراء وتناولها مع أي طعام, ويمنحني ذلك طاقة حقيقية ويعدل مزاجي.
تذكرت ذلك وأنا أتابع كل ما يكتب ويقال عن مواجهة فيروس كورونا, من ضرورة رفع مستوي مناعة الجسد, وذلك بتناول الأوراق الخضراء وخاصة الجرجير والبقدونس, والحرص علي تناول طبق السلطة يوميا مع إضافة الليمون! لقد دار الزمن وتقدم العصر تكنولوجيا, ولاتزال وصفة جدتي ونمط غذاء أمي هو الحل للنجاة من فيروس العصر! المسألة ببساطة هي رفع مناعة الجسد, بالطعام الصحي المتوازن, ذلك هو سبيل الوقاية بشكل عام, لما لا نعود إذن إلي حياتنا البسيطة, وسلوكياتنا التقليدية في الغذاء؟ لقد ظهرت أمراض ومشكلات صحية لم نكن نعرفها إلا منذ سيادة أنماط صحية غير سليمة: الطعام السريع الملئ بالكوليسترول الضار والغارق في مكسبات الطعم, والابتعاد عن طبق السلطة أحد أهم مكونات المائدة علي مدار عصور, سواء بشكله المتعارف عليه حاليا, أو بتقديم الأوراق الخضراء والخضراوات كما هي.
ليس هذا فحسب, وإنما الابتعاد عن السلوكيات الصحية بل والسخرية ممن يحاول اتباعها, فليس واجبا علينا أن نقوم بتقبيل بعضنا بعضا كلما تقابلنا حتي ولو كان يوميا, بل إن القبلات الأربع أصبحت وكأنها فرض عين في السلام بين النساء! وانتقل الأمر بين الرجال أيضا, سلوك غير صحي بالمرة في الأوقات العادية, فما بالنا بأيام تشهد طوارئ صحية!
أما النصائح التي من المفترض أن يتعلمها الأطفال في البيوت, وكانت المدارس تحرص علي تعليمها للتلاميذ, حتي إنها كانت تطبع علي الأغلفة الخلفية للكتب والكراسات, مثل ضرورة غسيل الأيادي قبل تناول الطعام وبعد الخروج من الحمام, واستخدام المناديل النظيفة, كل ذلك ذهب أدراج الرياح, ثم نتسائل لماذا زاد معدل انتشار العدوي سريعا كل فترة قصيرة.
السلوكيات اللائقة والصحية أمر ضروري, اتباعها يجنبنا ويلات كثيرة, هو من يفرق الشخص الراقي عن غيره, ويمنع عنا مشاكل حلها أصعب بكثير من تجنب حدوثها, وتربية أبنائنا علي ذلك هو واجب علينا, بل إن التزامنا نحن بها هو أمر واجب, ذلك ما تربينا عليه وهو ما يجب أن نحرص عليه, وأن ننشئ عليه أجيالنا المقبلة, وليس من اللياقة أبدا اعتبار أن الأصول والسلوك الراقي والصحي أمرا غير عصري ويمكن تجاهله من باب الروشنة.
بالتأكيد أن نمط الغذاء الصحي, والسلوكيات الصحية السليمة, ليس هو السبيل للنجاة من فيروس خطير لا يعلم إلا الله سبحانه مدي تأثيره المقبل, إلا أن نصائح الأطباء للوقاية منه كغيره من الفيروسات يجب أن تتحول إلي نمط حياة مستمر.
تصوروا أننا في هذا العصر الذي نتحدث فيه عن الوصول إلي المريخ, وتقنيات الجيل الخامس وما يليه من شبكات الإنترنت, لكننا لانزال نتناقش في سلوكيات اعتبرها العالم مسلمات منذ بداية القرن الماضي! يبدو أن الإنسان يتقدم تكنولوجيا لكنه يتراجع أخلاقيا وسلوكيا, ومن يتصور أنه لن يدفع الثمن واهم, فخطأ واحد لإنسان جاهل قادر علي تدمير كثير مما يصنعه شخص متعلم أو ذكي.
يقولون في عالم الأدب إن المحلية هي الطريق للعالمية, وفيما يخص الصحة أيضا, يبدو أن النجاة من الفيروسات العالمية يبدأ من الأطعمة المحلية.
فاطمة خير
كاتبة
[email protected]