تمرر راهب من حرب النجاسة وكلما قام سقط لا، بل كلما سقط قام، وعدو الخير يقف مقابله لا يهدأ عن حربه قائلاً للراهب المجاهد: أما تخجل وأنت فى هذا الحال أن ترفع يداً إلى الله! هل من رجاء لك؟! فقال له الراهب: لننظر أيهما يغلب قساوة حربك أم طول أناة الله. فهرب منه الشيطان لأنه رأى أنه مع كل حرب يكسب منها الراهب إكليل رجاء.
إن طول أناة الله ليس لها حدود لا تشمل أيام أو شهور أو سنين بل طول عمر الإنسان على الأرض، يقول عنها ارميا النبى: “لأن مراحمه لا تزول هى جديدة فى كل صباح” (مرا٢٢:٣ ) يالروعة وعمق هذه الكلمات التى تعنى أن مراحم الله المذخرة لكل واحد منا نأخذ منها كل يوم وإذ بنا مع إشراقة كل صباح نلقاها متجددة دون نقصان، وكأن مخازن الله ملآنة من الرحمة يعطى منها كل يوم وتظل كما هى دون نقصان – جديدة فى كل صباح.
كم تأنى الرب على بنى اسرائيل فى تذمرهم فى البرية وعبادتهم للعجل الذهبى، ولا عذر لهم إذ أن مجد الرب ماثل أمامهم وعمود نار يتقدمهم وسحابة تظللهم، وبرغم ذلك صنعوا العجل الذهبى وقالوا “هذه آلهتك يا اسرائيل التي أصعدتك من أرض مصر” (خر٤:٣٢ ). وأمام هذا الجحود البين ظهر طول أناة الله الرحيم ولم نسمع أن المن انقطع عنهم يوماً واحداً طيلة الأربعين سنة.
كم صبر الله على اعداء الكنيسة وأطال آناته، ونحن نتساءل كيف لا ينتقم سريعا؟ هكذا تعجب ارميا النبى لما حاربه اليهود وقاوموا رسالته النبوية وقال لله فى دالة “أبر انت يا رب من أن اخاصمك لكن أكلمك من جهة أحكامك، لماذا تنجح طريق الأشرار اطمأن كل الغادرين غدرا غرستهم فأصلوا نموا و اثمروا ثمرا” (ار٢-١:١٢) .
بل الأعجب طول أناة ربنا مع يهوذا الخائن له لآخر لحظة، يهوذا يقبل سيده قبلة الخيانة بينما الرب يسوع يقبله قبلة الصداقة كما نصلى فى صلاة الصلح: لم تحرق الخائن الغاش عندما دنا منك بل قبلته قبلة المصاحبة جاذبا إياه إلى التوبة و معرفة جسارته ، لكن هذا هو الهنا و هذه هى رحمته الواسعة.
ومع هذا علينا ألا “نستهين بغنى لطفه و امهاله و طول اناته”( رو٤:٢) .