بخمسة آلاف جنيه فاز الراهب المرشح لمنصب مطرانية الجيزة وأصبح اسمه الأنبا يوأنس أما المرشح المنافس وهو حبيب جرجس مؤسس مدارس الأحد فلم يكن مؤهلا للفوز لأنه رفض شرط الفوز بما كان يسمي في حينها السيمونية التي هي عبارة عن بيع الوظائف الدينية بالمال. وهنا ثارت قيادات مدارس الأحد بالجيزة وقررت مقاطعة ذلك المطران بل طالبتني بكتابة مقال في مجلة مدارس الأحد أعبر فيه عن هذه الثورة. وقد كان إذ نشرت المقال المطلوب تحت عنوان بالونة في عدد سبتمبر من عام 1953 وأنا هنا أعيد نشره علي النحو الآتي:
في ميدان من ميادين القاهرة أطلقوا عليه ميدان الجيزة رأيت ذات يوم بالونة لها رأس إنسان, وملتحفة برداء أسود, فوقفت أرقبها. وكانت تترنح ذات اليمين وذات اليسار, ولكن الرائي يلمح فيها جهدا للسير إلي الأمام, إلا أن الريح عاتية, وتهب عليها في الفينة بعد الفينة فتدفعها إلي الوراء, ولم تمض إلا ثوان حتي جاءت نفوس ساذجة, ضمت أفواهها, وبدأت تنفث هواء لعل وعسي أن تنتهي البالونة إلي ما تريد, وقد تحقق لها ذلك. فاندفعت وواصلت المسير, ثم تركزت في طوافها حول قبة عالية أحسب أنها قبة البرلمان, وراحت ترقص هنا وهناك لأنه لم يسبق لها أن طارت بعيدا من ذي قبل. وكان وجهها طافحا بالبشر والسرور, ولكنها ما قنعت بهذه القباب, إن هذه لم تكن إلا مقدمة لقباب أخري.
وعجبت بعد ذلك لأمر هذه البالونة وجدتها تزداد حجما فتزداد سرعة وتندفع في خط سرعان ما ينحرف وانتهي بها المطاف إلي قبة عالية, أحسب أنها قبة الدار البطريركية, ثم لمحتها تريد الهبوط بعد أن كانت في علو شاهق. وسألت نفسي: لم تريد الهبوط؟ ألا تشتهي الصعود في الفضاء؟ وما أغرب ما حدث بعد ذلك أن البالونة من كثرة ما أفرغ فيها من هواء أخذت في الانفجار ولم يعد لها وجود.
وإثر إرسال أعداد المجلة إلي مطرانية الجيزة ارتدت بأكملها إلي مقر المجلة واستسلمت قيادات مدارس الأحد بالجيزة لقرار المطران, ومع ذلك جاء الجواب عن السؤال الذي أثرته في نهاية المقال إذ مات المطران مسموما بعد عدة شهور من انتخابه. وبعد ذلك توقفت عن الكتابة في المجلة ولكني واصلت لقاءاتي مع نظير جيد (قداسة البابا شنودة فيما بعد) في مقهي محطة مصر ودار حديثنا حول مدي انتشار ظاهرة السيمونية فاكتشفنا أن المتحكم في هذه الظاهرة خادم البطريرك الأنبا يوساب الثاني واسمه ملك جرجس كان تلميذا له منذ أن كان مطرانا. وعندما تولي السلطة لم يستغن عنه, وقد كان الختم في يد ملك جرجس وكان هو الذي يقوم بإنهاء كل الأعمال لكنه استخدم الختم في رسامة المطارنة في مقابل مادي, ومع مواصلة اللقاءات تطورت الأحوال في الكنيسة إلي أن تم اختطاف الأنبا يوساب في عام 1954 من قبل جماعة الأمة القبطية وإجباره علي التنازل عن البابوية إلا أن السلطة السياسية قد تدخلت وأعادته إلي منصبه, ومع ذلك فقد حدث في عام 1956 أن أصدر المجمع المقدس قرارا بإعفاء الأنبا يوساب الثاني من إدارة شئون الكرازة المرقسية, وأنه لم يعدله وجود كبطريرك.
وإثر ذلك أصبح السؤال المحوري في لقاءاتنا:
كيف يتحقق الإصلاح الديني؟