وجهها يشبه وجوه الملائكة المرسومة علي جدران بيعاتنا العتيقة تسكنه البراءة مثلما يسكنه الجمال,وتغزوه الجاذبية مثلما الحزن تماما,كتبنا عنها منذ عام تقريبا,نظراتها حائرة,وعيونها وطنا للخوف,ضحية لأزمات مركبة منذ طفولتها.انفصل والدها عن والدتها وطرها,فتشردت بخمسة أطفال نادية واحدة منهم,وكما كتبنا من قبل,لم ينس جسد نادية التشرد ولطمات القدر ولم تزل لحما أحمر,وتراكم الخوف ي أعماق ذاكرة جسدها التائة بين أب متحجر القلب,ثم زوج مدمن,ورجال طامعين,وحوع للحب,وعطش للأمان,ورثته لأطفالها الأربعة.
وعرفت المخدرات طريقها لجسد زوج نادية,وتكررت المآساة,ضرب وطرد وإهانات,لكن هذه المرة نادية هي الزوجة وليست الابنة,ضاقت خلاياها بإدمانة استنفذ رصيده لديها,كاد يقتلها وهو في غير وعيه,هربت حيث لايعلم تربي الصغار بعيدا عن الكيف والدنس,وتولت الكنيسة شهرية قيمتها مائة جنيه!!ونادية لاتمتلكصنعة ولا مؤهل,لا تمتلك سوي جسدا تجيد إخضاعه تحت الشقاء,لذلك تسلمت مسنة مقابل مبلغ1800جنيه,لكن ماذا يفعل هذا المبلغ مع أسرة مكونة من أم وخمسة أطفال؟منهم فتاة في الثانوية العامة,وجاءت نادية للمرة الثانية تستغيث بنا وتقول:بنتي في الثانوية العامة,نفسي تتعلم وتكون أحسن مني,ولكن الدروس بدأت والسنتر طلبت مني مقدم لكل مادة100جنيه,مش عارفة أجيب منين.
أجبتها أن الضغط علي بابافتح قلبك وصل إلي أضعاف السنوات السابقة,مع تقلص حجم التبرعات,قالت في لهفة:اتوسل إليك أنا ماليش حد تاني,عمالة ألف علي الكنائس,ومش لاقيه حد يشيل المبلغ,عمالة اخد بركة من هنا وبركة من هنا وبرضة مش مكفي,مافيش قدامي أي حل غير إني اشحت في الشوارع حتي ده مش هأقدر أعملع,نفسي أعلم عيالي,مش عايزة أكثر من كده.
صمت لسانها وانفجرت شلالات الوجع من عينيها,صارت تبكي كالصغار تبتلغ نهنهاتها استمع إليها صامته أمام هيبة وجلال الشعور بالذنب,الذي يمزقها.
مثل العصفور الناجي من حروق الشمس صارت نادية تتلوي أمامي قائلة:نزلت في يوم لا أنساه ومشيت,ماعرفش إزاي وصلت البيت في اليوم ده من كتر البكا,لدرجة إن الناس كانت بتوقفني في المترو ويسألوني مالك,حسيت بالضعف,والذل,روحت منهارة,ومش عارفة هاعمل إيه بعد توقف الشهرية وصلي لربنا يبعت ويرزق ولادي,لكن ما بعتش ,وحسيت إني سبب في حرمانهم.
وفي يوم لقيته بيرن علي التليفون,رديت فورا قال لي تعالي خدي الشهرية قلت له والبحث؟ قال لي خلاص مش عايز حاجة سلمت البحث,وفعلا رحت قابلته,وعطاني الشهرية وأكثر منها وقال لي ماتخافيش مني أنا باحب ولادك زي ولادي وتصورت إن أنا اللي وحشه وبافهم الناس غلط وباشك فيهم لأني وحيده وخايفة وظلمت الراجل الكبير المحترم.
وفي خيبة أمل تستكمل نادية:لكن شكوكي كانت في محلها تلميحات ومكالمات وأسئلة الخلاصة إنه بدأ يلح في طلب علاقة وهربت من المواجهة معاه مرة واتنين وعشرة ولأنه ماعندهوش ضمير كان بيضغط علي الشهرية قلت لأبونا قال اتركيه وماتاخديش منه حاجة,لكن ماعوضنيش عن الشهرية اللي بيديهالي وأنا عايزة أعلم عيال وأربيهم.كان بيديني ألفين جنيه,شوفي الفين جنيه بالنسبة لواحدة في ظروفي يبقوا ايه؟
وتنهمر دموع الندم لتغرق وجه نادية وهي تروي عن مطاردة هذا الرجل لها وهروبها من مواجهته قلت هلاص مش عايزة عايزة منه حاجة أنا كده ممكن انتحر من الضغط النفسي اللي أنا تحته واتحججت إني وقعت ورجلي اتكسرت علشان ما يطلبش يقابلني طلبت منه يسيب لي الشهرية مع أبونا لكن هو رفض.لمت ربنا كتير وقلت له ليه سايبني اتمرمط كده؟أنت اللي حوجتني لا أب ولا زوج,ياما لطمت علي وشي وندبت حظي واتعاركت مع ربنا وبكيت وأرجع أقول له سامحني سامحني علشان اتسندت علي ذراع بشر وفي الآخر بالومك أنت كل همي اربي العيال اللي لسه لحم أحمر.
أجبتها في يقين:ثقي أن مخازن الله تتسع للحب والمال,والرحمة والمغفرة مخازن الله لا تخلو من غلال الحنان ولاتفرغ من مكانس المحو النسيان فلنبدأ من جديد حيث تضعين ثقتك في القدير إنه هو فقط من يرسل الذي يعولك وأطفالك لأنه حيث تكون الثقة فالبركة حاضرة.