مائة عام مرت علي إشعاع النور الذي شق قلب مصر الجديدة وهو إنشاء كنيسة مارمرقس العريقة, حيث كان أول اجتماع للجمعية التي دعا إليها القمص مرقص سرجيوس لإنشاء كنيسة بمصر الجديدة كان في24فبراير عام 1918.
وعقد الكنيسة كان بتاريخ1922 باسم الخواجة حنا نسيم والبابا كيرلس الخامس, وصدر قرار في الجريدة الرسمية بتأسيس الكنيسة عام1922 بأمر الملك فؤاد الأول ووضع حجر الأساس في 1922/6/16 ومن الأسماء المذكورة في أول اجتماع للجمعية التي أسهم أفرادها في بناء الكنسية فيما بعد:عبدالله بك أمين والدكتور يني أفندي كدوان وإبراهيم أفندي واصف ويسي أفندي عبد المسيح وفريد أفندي كامل وهذه عينة فقط لأسماء كثيرة غير مذكورة.
وها هو التاريخ يعيد نفسه علي يد أبينا القمص مرقس كمال راعي ليكمل ويضئ إشعاع نور جديدا وهو مكتبة للاطلاع والاستعارة متخصصة في التاريخ…ليساعد شعب الكنيسة في معرفة تاريخهم…من منطلقمن لايعرف تاريخه لايفهم حاضره ولايبني مستقبله….والإنسان الذي لايدرك عراقة تاريخه ومجد أجداده فبلا شك سيكون بلا هوية.فالتراث والتاريخ ومجمل ما يحتويهما من موروثات هو هويتنا الأصلية, وهو الجذور الحقيقية التي نستمد وننهل منها المذاق الحقيقي لعلاقتنا بالحياة وشكل الحياة في الماضي.
تلقينا دعوة بجريدة وطني لحضور حفل الافتتاح وتحمسنا لتوثيق الحدث الذي حضره نيافة الأنبا مكاري أسقف عام كنائس شبرا الجنوبية ولفيف من الآباء الكهنة علي رأسهم القمص مرقس كمال.
نشأة فكرة المكتبة
بدأ الحفل بكلمة لجناب القمص مرقس كمال ـ كاهن كنيسة مارمرقس, وراعي المشروع الثقافي ـ رحب فيها بنيافة الحبر الجليل الأنبا مكاري وبالحضور واستهل حديثه بسرد نشأة فكرة مكتبة متخصصة في التاريخ قال:الفكرة ظهرت في بداية القرن الـ21 عندما قامت مجموعة من الكنيسة بطرح فكرة تأليف كتاب عن تاريخ كنيسة مارمرقس, فبدأنا نجمع معلومات عن تاريخ الكنيسة تسجيلات صوتية لكبار خدام الكنيسة بدءا بأبينا أنطونيوس أمين وتدرجنا وسط أبناء شعب الكنيسة والعاملين فيها حتي وصلنا لعم رفعت القرابني وفصيح الفراش….بدأنا أيضا نجمع كل الكتب التي تكلمت عن تاريخ أي كنيسة لنعرف ماذا يدون في تلك الكتب.وتردد الأستاذ رامي جمال -أحد أعضاء فريق البحث,علي دار الكتب المصرية بشكل يومي لجمع معلومات من الصحف سواء جريدة مصر,جريدة وطني,وجريدة الأهرام,لجلب أي معلومة ولو حتي سطر أو أي مناسبات من أفراح تمت في الكنيسة ذكرت في الصحف وأي معلومة عن منطقة مصر الجديدة نفسها فأصبح لدينا أغلب الأخبار بالصحف والجرائد القديمة التي تناولت موضوع الكتاب.
وأثناء رحلة البحث عن المعلومات وجدنا غرفة مغلقة بالكنيسة كانت مخزنا لبعض الكتب القديمة ودفاتر الإيصالات وكل ما يخص مطبوعات الكنيسة.وفوجئنا في ذلك الوقت بالعثور علي كوتونة قديمة بها دفاتر محاضر جلسات الكنيسة من سنة 1918م وكانت تلك الجلسات تعقد في شقة بشارع بغداد حتي تم وضع حجر الأساس بالكنيسة عام1922 واكتشفنا أيضا بعض المراسلات التي ترجع لسنة 1914 وبها ما يفيد عن رغبة الأقباط في منطقة مصر الجديدة لبناء كنيسة قبطية أورثوذكسية. ومن هذا الصندوق المتواضع أصبح لدينا محاضر جلست الكنيسة من عام 1918 إلي عام1955م. وكانت بمثابة كنزا عظيما وثروة أن نحصل علي أوراق بهذا القدم تروي قصة بناء الكنيسة منذ كانت فكرة.
ثم بدأنا العمل بشكل مضني لدراسة كل المعلومات والأوراق وكنا نتنقل من مكان لآخر إلي أن طبعنا أول كتاب بعنوانقصة ورسالة- الجزء الأول عام2010 ويتضمن الخدمة في منطقة مصر الجديدة وتاريخ الكنائس بالمنطقة وكنيسة مارمرقس تفصيلا.
في ذلك الوقت أدركنا أن لدينا كنزا من المعلومات والكتب وتساءلنا لماذا لايستفيد شعب الكنيسة بهذا الكنز من التاريخ. وفي عام2014م أصدرنا الكتاب الثاني بعنوان قصة ورسالة-الجزء الثاني ووقتها كنا نحتفل بمرور 50عاما علي افتتاح قاعة إبراهيم لوقا بالكنيسة, وكان حاضرا معنا قداسة البابا تواضروس الثاني وأثناء الحفل تجول قداسة البابا معنا في معرض الكتب المقام علي هامش الحفل, فتوقف قداسته أمام ورقة صغيرة كنا قد وضعناها مكتوب فيها صلوا من أجل إنشاء مكتبة لكتب التاريخ…وفي نهاية2015 تحقق الحلم وحصلنا علي مقر المكتبة بإحدي العمارات المجاورة للكنيسة وتم تجهيزها لتسع 26قارئا.
من هنا ذاع الخبر بالكنيسة وبدأ شعب الكنيسة يتبرع لنا بكتب وبدأنا نشارك بمعارض الكتب لإثراء المكتبة بالمزيد من كتب التاريخ-سواء التاريخ الكنسي أو التاريخ المصري وساهم في هذا الإثراء جريدة الأهرام التي أمدتنا بكتب مفيدة جدا.
في2017 م أصدرنا الكتاب الثالث في ذكري أبينا أنطونيوس أمين العاشرة ويتكلم عن سيرته العطرة وخدمته بعنوانقصة ورسالة-الجزء الثالث….القمص أنطونيوس أمين1925-2007.
دراسة التاريخ
عن الاستفادة من دراسة التاريخ أضاف القمص مرقس كمالعندما نري آباءنا الأسبقين وكيف نحتوا في الصخر ونتعلم منهم نتمثل بالآية التي تقول (أنا أرسلتكم لتحصدوا مالم تتعبوا فيه فآخرون تعبوا وأنتم قد دخلتم علي تعبهم) (يو4:38).
وعندما نقرأ تاريخ الكنيسة المصرية أو نقرأ تاريخ مصر نري اضطهادات واعتداءات ونري استعمارا ونري حروبا خارجية علي الدولة المصرية حتي الآن لكننا نتعلم شيئا مهما جدا من تاريخنا فلدينا ثقة أنه مهما كانت لمشاكل والصعوبات إلا أننا نجتازها ويد الله تكونواضحة وعمل ربنا يكون عظيما.
مكتبة أبونا إبراهيم لوقا
الجدير بالذكر أنه في عام1950 أنشأ أبونا إبراهيم لوقا مكتبة في كنيسة مارمرقس تضم2000 كتاب وكانت في ذلك الوقت منبر علم مهما بالمنطقة لكونها تجمع كتبا من مختلف العلوم والثقافة والأدب والفنون.
أكد القمص مرقس:كنا نتمني إنشاء المكتبة الجديدة ضمن مباني الكنيسة لكن بسبب ضيق المساحة وعدم توفر المكان المناسب تم اختيار هذا المقر الذي يمتاز بالهدوء لأي قارئ أو باحث يتردد علي المكتبة.
كلمة الأنبا مكاري
استهل نيافة الأنبا مكاري ـ أسقف عام كنائس شبرا الجنوبية ـ كلمته بتهنئة الكنيسة بافتتاح المكتبة قال فيها: أهنئ كنيسة مارمرقس والكنيسة الأم بافتتاح مكتبة متخصصة في التاريخ ونحن في أمس الحاجة إلي مكتبات متخصصة سواء في الدراسات القبطية أو التاريخ أو العلوم الدينية مثل دراسة الكتاب المقدس والعقيدة وأقوال الآباء.
الأهم بداية دراسة التاريخ وهذا أمر مهم جدا لأن التاريخ مدرسة, فتاريخ كنيستنا نفتخر به, ولازم يكون أمامنا في كل وقت لنتعلم ممن سبقونا.
أيضا علي مستوي الوطن مصر فكل العالم بيشهد لتاريخنا والحضارة المصرية فلا يخلو متحف من متاحف العالم من قطع أثرية ودراسات عن الحضارة الفرعونية وكل متاحف ومكتبات العالم لديها دراسات وقطع أثرية من الحضارة القبطية…إذا تاريخنا يجب أن نفتخر به ويجب أن يعرف أولادنا قيمة تاريخ بلدنا…فمن يعرف تاريخه كمن يتمسك بجذوره بقوة فيأتي بثمار جيدة مبنية علي هذا الجذر القوي, لأن الشجرة العظيمة لها جدر عميق.
دراسة التاريخ علي المستوي الكنسي مهم جدا,فكلما تبحرنا في دراسات اللغة القبطية تاريخ العقيدة أو الطقوس الكنسية أو دراسة أي شئ متخصص بالكنيسة يجب مراجعة كل من كتب من قبلي وماذا توصلوا إليه حتي يمكن لأي شخص أن يكون له رأي مدروس ولذلك من النص التاريخي يمكنني معرفة نص عقيدي ونص طقسي ونص إيماني ونص قبطي.
ويمكننا اكتشاف الكثير من التاريخ, ففي دراساتنا في معهد الدراسات القبطية بدأنا نهتم بتاريخ الليتورجية وتاريخ الألحان وتاريخ الطقوس لكي نعرف التاريخ ونكتشف ونحلل النصوص القديمة كتبت في أي زمن وبأي مفهوم وبأي لغة وماذا كان يقصد وكل ذلك يعتبر شعاع ضوء للفهم الحقيقي والإدراك لكل شئ بنعمله في الكنيسة…إذا التاريخ مدرسة فمن خلال سير البطاركة وسير آباء البيعة الذين دونوا تاريخ الكنيسة عرفنا أشياء كثيرة جدا وطقوسا وممارسات مازلنا نمارسها حتي الآن.
وبعد دراسة التاريخ بشكل عام,يأتي التاريخ المتخصص في كل مجال داخل الكنيسة مثل تاريخ القبطيات,تاريخ الألحان, تاريخ العقيدة,حتي المعاني اللاهوتية والمعاني اللغوية لها تاريخ وتطور اللغة في العبادة من العصر الروماني والعصر المسيحي إلي العصر الحديث وكيف كانت اللغة تستخدم وتطورها عبر تلك العصور.
وأطالب من الجميع الاحتفاظ بكل وثيقة حتي لو ورقة بسيطة لأن هذا تاريخ يجب أن يدون فبعد سنين طويلة نعرف من كانوا قبلنا عملوا ايه…ياما مشاكل كثيرة تواجهنا فنرجع لآبائنا لدراسة كيف واجهوا تلك المشكلات, فبرغم أن الزمن بيختلف والتفكير بيختلف ولكن يمكن أن نسترشد ونعتبر أن كل الماضي لتذكيرنا ألا نيأس ولا نحبط فالكنيسة عريقة جدا صارت خدمتها عظيمة جدا, وبدأت بخادم نشيط أو بعض خدام نشطاء إلي أن وصلت لما وصلنا عليه الآن, وكل ذلك نعرفه من التاريخ.
ياما دراسات كثيرة إتعملت علي قصاصات من الورق لكي نعرف التاريخ ونستكمل جوانبه المختلفة.ونتشوق أن يفرز هذا الجيل الجديد مؤرخين محايدين يكتبون التاريخ بدقة ووضوح حتي يستفيد من يأتون بعدنا كما استفدنا نحن من أجدادنا وماتركوه لنا من كنوز.
وأشكر ربنا علي هذا المجهود وعلي هذا العمل وكل من تعب لظهور هذا المشروع كما هو الآن…وربنا يبارك.
محتويات المكتبة
تم إعداد المكتبة لتحتوي علي أكثر من 1500 من الموسوعات والكتب والمجلات بالإضافة إلي ما كان لدينا,منها كتب في تاريخ الكنيسة وتاريخ الأقباط وتاريخ بعض البطاركة سير قديسين وتراجم مطارنة وأساقفة وكهنة ورهبان وراهبات وعلمانين, وكذلك كتب عن الكرازة وتاريخ الرهبنة والإيبارشيات والكنائس والأديرة, وأيضا كتب عن تاريخ مدارس الأحد ومناهجها.
وتوجد صحف وجرائد قديمة لبعض المناسبات المهمة كجريدة وطني وسردها لأحداث مهمة في الكنيسة مثل استلام رفات مارمرقس ووصوله إلي أرض مصر وظهورات العذراء مريم.
نجد أيضا كتبا عن اللغة القبطية وخولاجي ترانيم ومنها علي وجه الخصوص 3 كتب ترانيم مهمين جدا:الكتاب الأول كان عامله أبونا إبراهيم لوقا وقت ما كان شماسا وكان الكتاب ثمنه خمسة قروش قتها للمساهمة في بناء الكنيسة والكتاب الثاني كان في عصر المتنيح البابا شنودة وقت ما كان أسقف عندما كان يلقي محاضرة في قاعة المرقسية .وكان هذا الكتاب للترانيم بحجم الجيب لنأخذه معنا وقت المحاضرة أما الكتاب الثالث فهو كتاب قديم للترانيم من بداية القرن العشرين ويظهر من محتوي هذا الكتاب أن التراتيل لم تكن تلحن مخصوص للكنيسة أو كان هناك ندرة في التلحين بل كانت تؤلفه الكلمات علي لحن أغاني مصرية مشهورة مثلريان يافجل أويا وابور قولي رايح علي فين أو أغنيةمصر الجديدة…فنجد أعلا كل ترتيلة مكتوب أنها علي لحن الأغنية الفلانية حتي يعرف الشعب لحن الترنيمة.فسيد درويش والشيخ إمام كانوا في كتب الترانيم داخل الكنيسة في تلك الحقبة.
ومن الكتب أيضا في المكتبة كتب عن قوانين الكنيسة واللغة القبطية وكتب عن تاريخ الخليقة…وكذلك تاريخ مختلف الطوايف وكتب عن العمارة والآثار بشكل عام والعمارة القبطية بشكل خاص, وكتب فنون وفن قبطي ومتاحف وكتب عن المكتبات وتاريخ إنشاء المكتبات, ثم تأتي الموسوعات وأهمها الموسوعة البريطانية كاملة والمؤلفة من30جزءا وكذلك أطالس وفهارس وكتب جغرافيا وتاريخ ثم نجد كتب تاريخ عالمي وتاريخ الشعوب مثل تاريخ إسرائيل وتاريخ أوروبا والولايات المتحدة وإيران والاتحاد السوفيتي والحضارات القديمة مثل الدولة العباسية والدولة الأموية والدولة العثمانية وكذلك كتب عن فنانين وعلماء وزعماء وأدباء وقادة وثوار.
ويوجد ملف كبير من الكتب عن مصر بكل محافظاتها وكتب عن القاهرة ومنطقة مصر الجديدة ومن أكثر الكتب الشيقة جولة في أحياء القاهرة وهذا الكتاب يتكلم عن مختلف الأحياء وتاريخها وشوارعها وأهم المباني فيها.
ومن أهم الأقسام قسم الأقراص المدمجة الخاصة بالأحداث العامة والكنسية باسم مناسبات وليست عظات صحف وجرائد مدونة تغطيتها في أحداث معينة من جريدة الأهرام ووطني ومجلات متنوعة مثلالكرمة,اليقظة,رسالة الحياة,الحق من عام1895م أعداد قديمة.ومجلة الكرازة الخاصة بالكنيسة وبالإضافة للكتب والمجلات توجد مجموعة من العملات والطوابع التذكارية ومن أكثر الأشياء التي نعتز بها خريطة قدمها الأستاذ رشدي.
شهادات تقدير
في نهاية الحفل كرم القمص مرقس كمال كل من ساهم في نجاح المشروع للظهور بشهادات تقدير وميداليات وعلي رأسهم مسئول مركز المعلومات بمجلس الوزراء المهندس حسام رضا حامد الجمل ومجموعة من مركز المعلومات الذين كان لهم يد العون بشكل جيد لربط المكتبة بمجلس الوزراء إلكترونيا لتسهيل العمل للباحثين المرتادين علي المكتبة.