فإن جاع عدوك فأطعمه.وإن عطش فاسقه.لأنك إن فعلت هذا تجمع جمر نار علي رأسه.لا يغلبنك الشر بل أغلب الشر بالخير(رومية12:20-21) خرج الإرهاب الأسود كعادته من جحره ليلقي بسمومه علي الأبرياء أثناء صلاتهم وتضرعهم لله خالق جميع البشر,فأظلم المكان ونشر الذعر بين الجميع,لأن الإرهاب يعمي قلوب صانعيه ويملأ صدورهم عتمة وسوادا.ماذا نستطيع أن نقول عن أبرياء من أطفال وشباب ونساء ومسنين يتساقطون أمام حشود الإرهاب؟وماذا نقول عن أناس فقدوا الرحمة وأصبح القتل بالنسبة لهم طعاما مألوفا ونراه أمام أعيننا كمشهد يومي يطاردنا في نومنا ويقظتنا؟نحن نعيش عالما فيه الحب هجر دنيانا ورحل بعيدا,ونسينا أن هذه الفضيلة الخالدة هي التي منحت الحياة منذ بدء الخليقة,وكانت حياة البشر ثمرة لقاء حب أبوينا آدم وحواء ونتجت عنه البشرية جمعاء بهذه الأعداد التي لا تحصي بمختلف ألوانها وجنسها وديانتها وإيمانها ومعتقداتها,فنحن نعيش عالما أصبح الإنسان فيه فقيرا في مشاعره وبخيلا في أحاسيسه وعواطفه ورحمته تجاه الآخر…إذا,ماذا نحن فاعلون؟لنقطع رأس الشر قبل أن يتسلل ويخرج من جحره,لنقتله بالحب والوئام والحوار,قبل أن نقضي عليه بالنار والسلاح والمدفعيات…
لأن بدون الحب تخيل موازين الأشياء وكما يقول الرسام والكاتب اليونانيNikos Ghikas:إن الزهور تعطر حتي الأيدي التي تسحقها للأسف تحجرت القلوب فلم تعد تهزها عاطفة الرحمة أمام طفل أو مسن أو امرأة,فالله نفسه يعتبر هؤلاء أخطأوا في حق أبنائه البشر الذين هم أيضا أخوة في الطبيعة الإنسانية.ونقرأ من أفكار نابليون بونابرت إمبراطور فرنسا الشهير التي دونها في المنفي:إن الإسكندر وقيصر وشارلمان وأنا:كلنا أسسنا إمبراطوريات عظيمة جدا,ولكن علام اعتمدنا في عبقرية إبداعنا؟بالطبع علي القوة,لذلك انهارت وزالت,لكن يسوع المسيح أسس امبراطورية علي الحب,فبقيت حتي يومنا هذا وإلي الأبد ملايين من البشر لايحصيهم عدد الذين يموتون حبا له وهياما به,لأن من يفتخر بقوته,لا يستطيع ضمانها للغد.
وإذا بحثنا عن الجاني,لن نجده فقط في الذي يقتل ويفجر نفسه,ولكن هناك الجناة الحقيقيين الذين يحرضون علي هذه الجرائم في الخفية من حيث لايعرف بهم إلا الله وحده,لأنهم ينقادون لشيطان أميالهم الفاسدة وربحهم الدنيوي.لكن علينا أن لا نسمح للأفكار السلبية أن تسيطر علي أذهاننا وتسرق منا سلامنا,وتسلمنا لمشاعر الخوف والقلق.سأل أحد التلاميذ معلمه قائلا:كيف يمكنني أن أسامح من سبب لي الشر,دون أن أرد عليه بالمثل,بل أكثر؟ نظر إليه المعلم الحكيم,فانحني إلي الأرض والتقط كمية من الحصي,ورمي بواحدة كتلة طين طري,أعدت بصنع الفخار,فغاصت الحصاة فيها,ورمي بأخري قارورة من الزجاج فكسرتها,وقذف بثالثة نحو صخرة,فتفتت الحصاة وتطايرت أشلاؤها,فأصاب بعضها الشيخ الحكيم والبعض الآخر الأولاد الجالسين,وضرب برابعة أرضا عشبية,فطفرت عنها مخلفة حفرة صغيرة,لكن العشب الذي مال إثر الضربة عاد مستقيما,وغابت الحفرة عن العيون,وجلس المعلم الحكيم في مكانه المعتاد وقال:إن كنت لينا كالطين فإنك لن ترد الإهانة بمثلها,وسيبقي الشر في جوفك,وإن كنت ذا نفع كالقارورة,وكنت صلبا كالزجاج,فإن الإهانة ستكسرك,ولن يبقي منك إلا الحطام,وإن كنت صخرا فإنك ستصمد أمام الإهانة بعنف,وقد تؤذي بصمودك الأبرياء إلي جانب المذنبين,وإن كنت خصبا كالأرض الطيبة وفيك بعض القساوة,فإن الإهانة لن تبقي فيك,ستصيب نفسك بجرح ولكن عطاءك يبقي وفيرا.وقام المعلم من مكانه ودخل غرفته تاركا الأولاد يتأملون الثقب في كتلة الطين,وحطام القارورة المتناثرة,والصخرة الصلبة,والحفرة المخفية تحت العشب الأخضر في الأرض الطيبة.
وكذلك نحن سنظل رغم الآلام التي نمر بها نطلب المعونة من الله ونتحلي بالثقة لكي نقتل الأحزان التي بداخلنا بجيوش الأمل ونتخلص من الأشجار,رافعين شعار الرجاء في غد أفضل وفيه نجني ثمار الأيام,لأن الله هو الوحيد الذي يستطيع أن يداوي جراحات أنفسنا ويشفينا من أسقامنا.ونختم بالقول المأثور:قد تستطيع غيوم الظروف أن تلبد سماء حياتنا,لكنها لا تستطيع أن تحجب عنا شمس محبة الله لنا.