يعلمنا السيد المسيح بقوله:طوبي لصانعي السلام, فإنهم أبناء الله يدعون(متي5:9), لماذا تعيش البلاد في حروب وقتال ونزاع؟ من أين يولد العنف والقتل؟ نحن نحيا في عالم يغرق في البغض واحتقار الآخر ورفضه تماما.
لماذا نجد الغالبية العظمي من البشر فقدت المعني الجوهري والحقيقي لكلمة السلام؟ يجب علينا أن نميز بين نوعين من السلام:الأول وهو سلامنا الشخصي والداخلي, والثاني الذي يمنحنا إياه الآخرون.
فالسلام الشخصي ينبع من داخل الإنسان وخاصة عندما تكون علاقته نقية وصافية مع الله والآخرين.
ولكن للأسف, هذا السلام نادر بين الشعوب والأشخاص.
بينما السلام الخارجي فهو متقلب حسب علاقة الآخرين بنا, وعلاقتنا بهم, ويتذبذب حسب تغيير الأمزجة والأجواء بين الأشخاص.
هناك مثال يوضح لنا هذا: عندما دعا أحد الأطفال أصدقاءه ليقيموا خيمة كبيرة في حديقة منزله, رحب الجميع في الحال بهذه الفكرة وأحضر كل واحد منهم شيئا ما: أعمدة الخيمة, القماش, السجاد, الوسادات, الحصير, المرآة وخلاف ذلك.
ولقد تمت هذه المهمة بنجاح وقضوا معا أسبوعين في صحبة ممتعة تغمرها روح المحبة والسلام.
ولكن حدث ما هو غير متوقع وتشاجر الرفقاء مع هذا الطفل, فصرخ فيهم قائلا:يجب أن تحترموني لأنكم ضيوف عندي وبدأ صوته يعلو مرة تلو الأخري, فاحتج الآخرون قائلين:لكن كل هذه الأشياء الموجودة في منزلك هي ملك لنا, ثم بدأ كل فرد منهم يأخذ أمتعته الخاصةعائدا إلي بيته, تاركين صاحب الدعوة بمفرده مجردا من كل شيء.
والآن نستطيع أن نتساءل:ما هي الأدوات والمواد التي بني عليها سلامنا؟ فالإنسان الذي ليس عنده سلام داخلي لا يستطيع أن يعيش في سلام مع الآخرين, حتي إنه يختلق الطرق والوسائل التي يعادي بها الناس.
كم من المرات التي يحدث فيها معنا مثل هذا الطفل الذي تشاجر مع أصدقائه ونكتشف أن سلامنا مكون ومبني علي مواد وأدوات الغير؟فهناك من يمنحنا الثقة, ومن يهبنا الابتسامة, ومن يشجعنا في العمل, ومن يوفر لنا الوقت وأشياء أخري من هذا القبيل.
لذلك نعيش هذا السلام مادامت كل الأمور علي ما يرام, وعندما يحدث سوء تفاهم أو مصلحة ما, يبدأ كل واحد في استعادة ما يخصه, وتتغير معاملته معناعما قبل, وهنا نفقد سلامنا الخارجي مع الغير, وهذا أمر طبيعي, لأن هذا السلام لم يكن ملكنا, لذلك يستمر لفترة محدودة حسب تقلبات هوي ومزاج الآخرين.
لكن سلامنا الداخلي الحقيقي لا يستطيع أحد أن ينزعه منا مهما تغيرت الظروف والمعاملات والعلاقات, فالسلام الدائم هو عطية من الله للإنسان, ويشعر به كل شخص يقوم بواجبه بإخلاص وأمانة وحب وعنده ضمير حي.
مما لا شك فيه أن هذا الشخص يعيش في سلام مع الجميع.
لكن فاقد السلام يهدم اللوحة الرائعة التي صنعها الله لخليقته بكل حب.
وهنا نتأمل الكلمات الرائعة التي صدرت من البطل الهندي العظيم Vardhamana مؤسس إحدي الديانات الهندية عام400ق.م:أطلب العفو والغفران عن العنف الذي ارتكبته في عقلي, والعنف الذي سببته بأقوالي, والعنف الذي صنعته بأعمالي.
كلمات جوهرية خرجت من القلب, ولها معان عميقة وصالحة لأن العنف الموجود في قلب وعقل الإنسان, ينمو في النفس ويتغذي بالحقد والكراهية, ثم يخرج للنور ويدفع الإنسان إلي معاداة ومحاربة الآخرين لكن لا سبيل إلي قتل العداوة إلا بالحب, لأن البغض يولد الكراهية والحقد, فالحب وحده يبني ويخلق ويشيد, بينما البغض يهدم ويفني ويبيد.
لا يكفي أن نردد:لم يصدر عنا أي شر بل يجب أن نصنع الخير ونسعي في طريقه ولا نفتخر بأننا لم نبغض أحدا من الناس ولا ألحقنا به ضررا بل يجب أن نحب الجميع ونصنع معهم الخير.
وبناء علي ذلك نستطيع أن نردد مع القديس فرنسيس الأسيزي مؤسس الرهبنة الفرنسيسكانية:يارب اجعلني أداة لسلامك, فأضع الحب حيث البغض, والمغفرة حيث الإساءة والاتفاق حيث الخلاف, والحقيقة حيث الضلال والإيمان حيث الشك, والرجاء حيث اليأس والنور حيث الظلمة والفرح حيث الكآبة, ما أجمل وأروع رسالة كل واحد منا في هذه الحياة, إذا استطاع أن يكون أداة للسلام في عائلته ومحيطه وعمله وفي كل مكان.
ونختم بكلمات المفكر والكاتب ميخائيل نعيمة الموجهة لمواطني بلده:أنتم شجرة الحياة.
فاحذروا من أن تجزءوا أنفسكم, احذروا من أن تقيموا ثمرة ضد ثمرة, أو غصنا ضد غصن, أو ورقة ضد ورقة.