يقول القديس بولس: كونوا في الرجاء فرحين وفي الشدة صابرين وعلي الصلاة مواظبين رومية 12:12, دار هذا الحديث بين ملحد وآخر مؤمن : هل تعتقد أيها المتدين بأن في الكون إلها كلي القدرة, يدبر هذا العالم ولا سيما البشر؟ إنه بديهي ولا شك في هذا مطلقا, ونحن نعلن هذا في صلواتنا
وإيماننا وهل يهتم الله الخالق بالبشر,أم أنه منعزل في سمائه, ولا يهتم بأمورهم؟ إن ديننا يعلم بأن الله هو أب حنون مع جميع خلائقه ويدبر أمور حياتهم من المحتمل أن يكون الأمر هكذا في كتبكم وتعاليمكم الدينية, لكن من يتأمل حياتكم اليومية ويلاحظها, ويكتشف أنكم لا تؤمنون بهذا, فإن كان إلهكم كلي القدرة, وأبا حنونا يرعاكم ويسهر عليكم نهارا وليلا, كان من الواجب عليكم أن تلجأوا إليه في كل حين, لذلك لا أفهم تصرفاتكم أيها المؤمنون! فبالرغم من اعتقادكم بأبوة الله وحنانه, كيف تسمحون لأنفسكم بأن ترفعوا قلوبكم بالصلاة له قليلا جدا, مكرسين معظم حياتكم للأمور الدنيوية؟! مما لا شك فيه أنه كلام لاذع وصاعق لكل شخص منا, حتي نستطيع أن نقوم بمراجعة حياتنا وعلاقتنا بالله الرحيم والحنون الذي يشفق علينا جميعا, ولا يرفض أي طلب فيه خيرنا الأعظم, فإذا كان الإنسان يسعي إلي ما يعود عليه بالمنفعة فقط, فالله لا يفكر إلا فيما يجود علينا بالنفع, كما أنه يحول كل شيء في الحياة لصالحنا, ففيه نضع كل رجائنا ونستودع جميع شدائدنا ومضايقنا, لأننا لن نري, في كل مخلوق آخر, سوي الضعف وعدم الثبات, ولن يستطيع مساعدتنا الأشخاص الذين يدعون القوة, ولن نصل إلي جواب مفيد من مدعي الحكمة, ولن تعزينا كتب العلماء, ولن نجد الآمان في أي مكان, ما لم يعضدنا الله القادر علي كل شئ, ويقوينا ويعزينا ويعلمنا ويحفظنا من كل سوء, لذلك يجب علينا أن نراجع ذواتنا ونتساءل: هل نعتبر الصلاة بمثابة فرض علينا, نشعر بالراحة عند الانتهاء منها, لأننا قمنا بالواجب المطلوب؟ أم هي لحظة سلام وطمأنينة وراحة وتعزية, عندما نرفعها لله الأب الحنون الذي يفكر في خيرنا الأعظم؟ هل نعطي الصلاة حقها في حياتنا اليومية, أم هي مجرد لحظة عابرة وخاطفة بين اهتماماتنا الأرضية؟ إذا يجب علينا أن نقترب من الله دائما, عندما نتحد به في صلاتنا كل حين, مهما كانت مشغولياتنا وارتباطاتنا, حينئذ سننعم بحياة صافية وهادئة لا مثيل لها, وسنشعر بالسعادة التي تغمرنا طوال اليوم أثناء العمل, ونتخطي العقبات التي تواجهنا, ونسمو في معاملاتنا مع الآخرين واحترامهم, وسنقوم بواجباتنا بأمانة وإخلاص, ثم نصل إلي ختام يومنا وننام مطمئني البال, وعندما نستيقظ في اليوم التالي, سنصبح متفائلين ومغمورين بالرجاء والأمل, فهل بعد كل هذه الامتيازات والنعم وغيرها الناجمة عن الصلاة, نتكاسل أو نتهاون في القيام بها؟ نحن نعيش في عصر نسي فيه الإنسان الله, ولا يفكر إلا في ذاته دون الرجوع إلي الله خالقه, والذي ينعم علينا بكل خيراته دون أن نسأله, لأنه عالم بها, فكلما ابتعدنا عن الله, ازداد الشر وانتشرت الحروب والكوارث والأطماع, لكن الصلاة هي دواء لكل داء يشكو منه إنسان العصر, كم من المرات التي نختلق فيها الحجج والمبررات مرددين: ليس لدينا وقت للصلاة؟ بالرغم من أننا نهدر الكثير منه في أشياء أخري لا معني لها ولا نفع منها, لكن عظمة الإنسان ونجاحه وسمو أخلاقه تنبع من علاقته الوثيقة بالله عن طريق الصلاة الدائمة, والحوار معه بكل صدق وحب دون أ ي مصالح شخصية, كم من أناس يصلون بشفاههم ولكنهم يصمتون بقلوبهم, وكم الذين يغلقون شفاههم ويبتهلون من أعماقهم, ولذلك يستجاب للكثيرين بالرغم من أنهم صامتون, وباطلا يهتف الآخرون, إذا يجب أن تكون صلاتنا نابعة من القلب قبل الفم, وأن تحمل في طياتها الشكر لله علي كل نعمه وعطاياه, ولا تكون مقصورة علي الطلب فقط, أو لحظة عابرة لتلبية مصالحنا الشخصية, فالله لن يخذلنا أبدا إن بحثنا عنه بقلب نقي وروح مستقيمة, ولن يرفض لنا طلبا مادام لخيرنا وسعادتنا, فالله معنا في كل حين, حتي وإن لم ندرك هذا نتيجة مشاغلنا واهتمامنا بالأمور الأرضية فقط, ومن يتوكل علي الله ويشعر بوجوده في حياته اليومية, سينعم بعطاياه في كل حين, والإنسان الذي يثق في الله, لن يتزعزع إيمانه مهما تغيرت ظروف الحياة, ونختم بكلمات المؤرخ Carlyle إن نسينا الله, فلا يبقي شيء يستحق ذكره