يقول داود النبي:توكل علي المولي وكن متشددا وليتشجع قلبك واعقد علي المولي الرجاء(مز26:14). إن الشباب هو ربيع العمر وأجمل سنين الحياة, والربيع في الطبيعة هو زمن تفتح البراعم وتألق الأزهار, وكذلك في حياة الإنسان, يجب أن ينبثق من القلب في الشباب حيوية, وتزهر النفس أحلاما عظيمة. وكما أن الخريف في الطبيعة لا يعقد الثمار إلا من أزهار الربيع, هكذا المستقبل للإنسان لا ينضج إلا ماراود زمن الشباب من أحلام وأمان وإرادة. يحكي أن شابا من بلاد اليونان, عز عليه أن تكون في لسانه لثغة تمنعه من النجاح في الحياة, واحتلال المركز اللائق به في المجتمع, لكن إرادته الفولاذية أبت الاستسلام والوقوع في التشاؤم واليأس. فعقد العزم علي أن يقوم لسانه ويتخلص من لثغته, بل نوي أن يكتسب مرونة, تمكنه من الكلام بسهولة وفصاحة. ولهذا فرض علي نفسه أن يذهب كل يوم إلي شاطئ البحر, وهناك يتمرن علي لفظ الكلمات مقطعا مقطعا, وحرفا حرفا. وما هي إلا أيام حتي انحلت عقدة لسانه, فانطلق أفصح ما يكون لفظا وتعبيرا وإلقاء. وهكذا استطاع أن يسجل فيما بعد ألمع صفحة في فن الخطابة والفصاحة, وهو الذي خلده التاريخ باسم ديموستين, أبي الفصاحة والبلاغة وقوة الحجة لذا…يستطيع كل شاب أن يأخذ ديموستين مثالا له في الإرادة والعزيمة وتخطي الصعوبات, فالإرادة هي سر النجاح في الحياة ولا سر غيرها, بها تحلي عظماء الرجال في كل عصر وجيل, ومن خلا منها, لن يكتب له أي نجاح أو تقدم, بل يبقي فاشلا يعيش متخبطا في دروب الحياة, وبمقدار قوة الإرادة, يرقي الإنسان عاليا في سلم النجاح. فالإنسان, إنسان بإرادته, وبمقدار ما يتحلي بها, تزداد إنسانيته, ويشق طريقه إلي العظمة والنبوغ. فالبأس في النفوس الكريمة لايرتهن بعدد السنين! ولا البطولة, ولا علو الهمة, ولا الأخلاق النبيلة, ولا الاخلاص لله والصدق في معاملة الناس كل ذلك وغيره من الفضائل الإنسانية غير مرتهن بعمر, أو مقصور علي فئة من الناس. لكنه بالنسبة للشباب أسهل منه علي الذين تقدمت بهم السنين, فذهبت برهافة وفيض حيويتهم وحبهم للمغامرة. لقد جمع Morden مقومات الإرادة بقوله:أول واجبات المرء نحو نفسه هو أن يحمل الناس علي الاعتقاد فيه أنا مركب أكثر من طين وماء, إن فيه فولاذا يدعي الإرادة. لأن الرجال الذين سجلوا أسماءهم علي صفحات الخلود هم الذين كانوا يفكرون ويقررون ويعملون بكل دقة وثبات, بدون إهمال أو تردد. لذلك يجب علي الشباب أن يتعلموا من العظماء الذين كانوا فتيانا مثلهم, كيف يستغلون أوقاتهم, ويكبون علي الدروس باجتهاد وثبات وحزم, وعلي مثالهم يكفيهم أن يعزموا عزما صادقا علي النجاح في الحياة, ويجتهدوا كل يوم في اكتساب شيء جديد والقيام بأعمال ترضي الله وضميرهم, فالإرادة القوية تنسف الصعاب وتحمل الشباب إلي البطولة, لا شيء صعب عليها, وما من مستحيل كما أن الناس يختلفون في التفوق والبطولة, بمقدار ما فيهم من قوة إرادة. ولكن الإرادة علي طراز كل الكائنات الحية تتقوي بالعمل والمران, فمن أراد مستقبلا باسما, وعيشا هنيئا, ونجاحا في كل ما يعمل عليه أن يسعي يوميا إلي ما يقوي فيه الإرادة وتتميم الواجبات اليومية بصدق وأمانة وإتقان, بالرغم مما يشعر به من ضجر أو تعب والشباب بالرغم من ثروته وروعته, إلا أنه سريع العطب, سريع الزوال, فيجب المبادرة إلي استثماره باستغلال مواهبه مهما قل نصيبه فالنجاح في الحياة رهن الجد والمثابرة والكفاح في زمن الشبيبة وكما يقول الشاعر:إن الشبيبة نار إن أردت بها أمرا, فبادره أن الدهر مطفيها. كل شخص منا يستطيع أن يحقق نجاحا في الحياة علي غرار الموهوبين والنوابغ, بشرط أن تكون لديه نفس كبيرة, وهمة عالية, وإرادة مصممة وطموح عظيم ولن يتوفر شيء من هذا, ما لم نعكف علي الاستفادة من زمن الشبيبة. والشباب هو طموح لايعرف حدودا, وتفاؤل يتجاهل المستحيل, وشجاعة لاتقيم وزنا لأخطار وثقة بالنفس حتي الفخر. كما أن مبدأ النفوس الكبيرة عدم التسويف والتأجيل, خوفا من أن تفوت الفرصة السانحة, فيتعذر استرجاعها وبما أن لكل يوم عمله, فلا يجوز أن تترك عمل اليوم إلي الغد, وإلا ما دمت تعجز عن القيام بعمل اليوم, فكيف تقوم بعمل يومين في الغد؟! ونختم بالقول المأثور:من لا يريد حين يقدر, لا يستطيع عندما يريد.