بما أن يقظة الظالم هي مصدر بلاء لمن حوله، فإن نومه منجاة، فهو السبيل اللاإرادي للكف عن إيذاء وظلم الآخرين. وهكذا فإن النوم، وفق المثل الشائع “نوم الظالم عبادة”، يعد بمثابة فعل من أفعال الخير يرقى إلى مستوى العبادة والتقرب إلى الله. ومع ذلك، فإن المثل لا يعنى ذلك حرفيا، فهو ككثير من الأمثال الشعبية ينطوي على سخرية، وليس المقصود أن نوم الظالم يضاف إلى ميزان حسناته، هذا إذا كان لديه حسنات. أقول ذلك، لأن البعض كالعادة يناقش الأمر من الزاوية الفقهية، وكأن نوم الظالم كالصلاة أو الصوم أو الإحسان، وهو بكل تأكيد جدل فى غير موقعه ولا معنى له. وفى الحقيقة أن السخرية من الظالم فى هذا المثل لها هدف عملى، وهو مطالبة الظالم بأن يكف عن ظلمه، والنوم يرمز إلى فعل سلبى يؤدى إلى إبطال مفعول الظالم Deactivation، فليس المطلوب فعل شئ ولكن المطلوب فقط التوقف عن الفعل، وهكذا تتحقق الفائدة ويتم رفع الظلم.
وشخصية الظالم هنا متعددة ومتدرجة بداية من الشخص المزعج فقط وصولا إلى ذلك الشخص الذى يمارس أفعالا مدمرة بحق الآخرين. وفى الحقيقة أن أكثر استخدامات هذا المثل شيوعا، على ما يبدو، هي للتعبير عن مشاعر الغضب الخالى من الكراهية، بل الغضب الودود، وأقصد بذلك استخدامه من قبل الأمهات عندما يضيق بهن الحال بسبب إزعاج أطفالهن. فقد تردد الأم هذا المثل بعصبية للتعبير عن الإنزعاج، وقد تنظر الأم إلى الطفل وهو نائم، وتردد المثل بمنتهى الحب وهى تحنو على الطفل وربما تقبله لتقول بصوت خافت “نوم االظالم عبادة”. وفى هذه الحالة فهو من الأمثال الناعمة التي تستخدمها الأمهات للتعبير عن الإنزعاج والحب في الوقت ذاته. فهو شبيه بالمثل القائل: أدعى على ابنى وأكره اللي يقول آمين”.
وبعيدا عن هذا الجو العاطفى، فإن هناك الكثير من الممارسات التى تنطوى على تدمير وظلم فعلى، فأفعال الظلم من الكثرة التى ربما تفوق أفعال الخير، ليس فقط من قبل أشخاص ولكن من قبل دول ومؤسسات. ودائما لدينا أمل فى أن حدوث شئ ما لإبطال مفعول الظلم المتجسد فى ممارسات وسياسات وتشريعات معادية للصالح العام. وقد يقول البعض أنها تصب فى مصلحة من هم فى السلطة، وفى الحقيقة أنها حجة واهية لأن مصالحهم يمكن أن تتحقق بوسائل أخرى عديدة، فغالبا ما تكون الممارسات والسياسات والتشريعات انعكاس لضيق أفق وغباء وعشوائية فى التفكير وصناعة القرار. فقد كانت الدول العربية نشطة جدا فى معاداة قيم الحداثة والتحديث، واستثمرت أموالا طائلة من أجل نشر التخلف سواء بشكل مؤسسى أو غير مؤسسى. وبعد أن كانت دولة قامعة تحولت الآن لتكون دولة مدمرة، فمنطقتنا المصابة فى أنظمتها هى المستهلك الأكبر فى سوق السلاح، وهي الأكثر حماسة لقمع للحقوق والحريات، وهي التي تبذل جهودا غير عادية للإبقاء على العداوات والمنازعات. فدولنا، مع الأسف، يقظة ونشطة لفعل كل ما يجعل مجتمعاتها خارج حركة التاريخ، فهى لا تألوا جهدا على مستوى الممارسات والسياسات والتشريعات من أجل إنهاك قوى المجتمع ونشر الكآبة.
وهنا يأتى السؤال البسيط، ماذا لو تم إبطال مفعول هذه اليقظة السلطوية المدمرة؟ ما ذا لو كفت الدول العربية عن الاستثمار فى الحروب والمنازعات والتخلف الثقافى والاجتماعى؟ لقد وصل بنا الحال إلى أننا لم نعد نطمح أن تتبنى السلطات سياسات تجلب الخير وتحقق أهداف تنموية، إن كل ما نرجوه هو أن تتوقف السلطات عن جهودها المباركة التى لا تؤدى إلا إلى الدمار والظلم، ولا تجلب سوى الأذى والضرر. باختصار نريد أن نقول لهم “لا تفعلوا شيئا من أجلنا، فقط توقفوا عن فعل ما تفعلوه لأنه مدمر”..صحيح “نوم الظالم عبادة”!