قلنا إن المشتغلين بعلم الأرواح المنادين بعودة التجسد يريدون أن يقنعوا المسيحيين بهذا الفكر بمقتبسات من الكتاب المقدس نفسه ومن أشهر ما يرونه من براهينهم هو ما قيل عن المولود أعمي(يو9).
المولود أعمي:
ورد في إنجيل يوحنا إن الرب يسوع فيما هو مجتاز رأي إنسانا أعمي منذ ولادته فسأله تلاميذه:يا معلم من أخطأ: هذا أم أبواه,حتي ولد أعمي.أجاب يسوع:لا هذا أخطأ ولا أبواه,لكن لتظهر أعمال الله فيه(يو19:1-3).
عبارة هل أخطأ أبواه حتي ولد أعمي,ربما يقصدون بها قول الرب في الوصايا العشرة,أفتقد ذنوب الآباء في الأبناء في الجيل الثالث والرابع(خر20:5) مع أن عفا عن ذلك في سفر حزقيال النبي(حز18:20).
لكن ما يركز عليهعلماء الروح هو قول التلاميذ:هل أخطأ هذا حتي ولد أعمي؟ويفهمون منها:هل أخطأ في حياة سابقة لمولده.وعوقب بميلاده أعمي,في عودته للتجسد؟!
وكأنهم بهذا يقولون إن التلاميذ يؤمنون بالوجود السبقيPre-Existence,كما يؤمنون أيضا بعودة التجسد Reincarnation.
طبعا هم ما كانوا يؤمنون بذلك إنما كانوا يسألون من جهة أمور كانت منتشرة في المجتمع اليهودي في ذلك الزمن.
كانت هذه الأفكار قد وصلت إلي اليهود في ذلك الزمن.
أنها كانت أفكارا آمن بها الهنود في مذهبهم الكارما Karma أيالجزاء بحيث أن خطية الإنسان يعاقب عنها في تجسد لاحق بحيث تحل روح الإنسان بعد موته في جسد آخر ينال فيه عقوبته علي خطاياه في حياته السابقة كلون من التطهير لروحه!!
هذه الأفكار انتقلت إلي اليهود عن طريق التجارة والرحلات وظهرت في أمثلة معينة سجلها الإنجيل المقدس.
منها أن كهنة اليهود واللاويين سألوا يوحنا المعمدان قائلينمن أنت؟….إيليا أنت؟(يو1:19-20) وكأنهم ظنوا أن أيليا قد عاد إلي الوجود متجسدا في شخص يوحنا!!وهذه النقطة بالذات سنطرقها في موضوع خاص لأهميتها…
السيد المسيح نفسه لما سأل التلاميذ قائلامن يقول الناس إني أنا ابن الإنسان؟فقالوا:قوميقولون يوحنا المعمدان وآخرون إيليا,وآخرون إرميا,أو واحد من الأنبياء(مت16:13, 14) إذن كأنهم يظنون أن يوحنا المعمدان قد عاد للتجسد في شخص يسوع الناصري أو أن إيليا أو إرميا أحد الأنبياء قد عاد إلي التجسد في شخص يسوع الناصري.
الفكر إذن موجود,أتي إليهم من الشرق,واعتنقه كثيرون حتي الملك نفسه.
حتي أن هيرودس الملك لما سمع بخبر المسيحقال لغلمانه هذا هو يوحنا المعمدان قد قام من الأموات,ولذلك تعمل به القوات(مت14:1) ومعني هذا في رأيه أن يوحنا المعمدان لم يقم من الموت في شخصه أو في نفس جسده,إنما في جسد آخر هو جسد يسوع الناصري.أو كان روح يسوع الناصري هي روح يوحنا المعمدان في جسد يسوع!!
وطبعا هذا ضد تعليم الكتاب فلعازر أخو مريم ومرثا,لما قام من الموت قام بنفس جسده(يو11) وكذلك ابنة يايريس(مر5:22-43).ابن أرملة نايين(لو7:11-17).وأيضا طابيثا(أع9:36-42) كل من هؤلاء قام في نفس جسده,ولم يعد إلي الحياة في جسد شخص آخر كما ظن هيرودس.
من هنا يبدو أن أفكارا غريبة كانت منتشرة في المجتمع اليهودي وقتذاك.
ووصلت بعد هذه الأفكار إلي آذان التلاميذ فكان الوضع الطبيعي أن يسألوا السيد الرب عنها,فيرشدهم إلي التعليم الصحيح.
علي أن سؤال التلاميذ لا يشكل عقيدة لثلاثة أسباب:
1-لأنهم كانوا وقتذاك لايزالون في دور التلمذة وكانوا يسألون معلمهم عن أمور عديدة وكثيرا ما كانوا يخطئون فيوبخهم مثلما وبخ بطرس علي قولهحاشاك ياربحينما تحدث الرب عن صلبه(مت16:21-23).ومثلما وبخه أيضا حينما ضرب بسيفه أذن عبد رئيس الكهنة في ساعة القبض عليه(يو18:10, 11) وكذلك وبخ اثنين من تلاميذه حينما سألاه أن تنزل نار من السماء وتحرق أحدي مدن السامرة لأنها رفضته وقال لهمالستما تعلمان من أي روح انتما(لو9:55).
2-لم يكن الروح القدس قد حل علي التلاميذ ليرشدهم إلي كل الحق(يو16:13) ولكن بعد حلول الروح القدس عليهم كان تعليمهم يمثل عقيدة وحتي في قصة المولود أعمي ما كانوا يتكلمون بكلام تعليم وإنما كانوا يسألون سؤالا لأنهم كانوا في حضرة المعلم الأعظم.
3-نلاحظ أن السيد المسيح قد نفي الأمر بقولهلا أخطأ هذا ولا أبواه.
إذن لا يمكن للمشتغلين بعلم الأرواح أن يستنتجوا عقيدة مسيحية من أمر نفاه المسيح.
يعلق بعض المشتغلين بالأرواح بقولهم,ولكن السيد المسيح لم يوبخ التلاميذ علي هذا الفكر,ولم يشرح لهم أنه خطأ ونجيب بقولنا:
هذا هو أسلوب السيد المسيح يركز علي الإيجابيات وكثيرا ما يهمل بعض السلبيات ويتجاهلها لحكمة معينة.
وسكوته عن ذلك لا يعني موافقة وسنضرب مثلا لذلك:
حينما سألهم ماذا يقول الناس إني أنا ابن الإنسان؟وأجابوه:قوم يقولون يوحنا المعمدان,وآخرون إيليا,وآخرون إرميا أو واحد من الأنبياء(مت16:13, 14) لم يناقش معهم كل هذا ولم يرد عليه,ولم يقل هذه أفكار خاطئة ولم يشرح سبب الخطأ…وإنما ترك كل هذا جانبا وسألهم وأنتم من تقولون إني أنا؟ولما أجاب بطرسأنت هو المسيح ابن الله الحي طوبه علي ذلك وانتهي الأمر (مت16:15-20) هذا هو أسلوب السيد في إيجابياته:
وحينما قال له اللص علي الصليباذكرني يارب متي جئت في ملكوتك قال له في إيجابيهاليوم تكون معي في الفردوس(لو23:43) ولم يشرح له أن الملكوت ليس هذا موعده لايصل إليه اللص إلا بعد القيامة وإنما الصحيح هو الفردوس واكتفي بالإجابة الإيجابية.