(2)
ما يقال عن تحضير روح صموئيل النبي !
بقلم مثلث الرحمات المتنيح قداسة البابا شنودة الثالث
عبارة أقلقتني تدل علي أنه جاء علي الرغم منه, مكرها!
بل تدل أيضا علي أنه كان متذمرا علي ذلك الوضع, وطبعا لا يمكن أن يتذمر إن كان الله قد أرسله إلي شاول, كما أنه لو كان قد جاء من تلقاء نفسه ,ما كان يقول: لماذا أقلقتني..
نبحث موضوعا أهم وهو: هل الذي ظهر هو صموئيل النبي؟
وهنا نضع أمامنا بعض الملاحظات المهمة, وهي:
1- المرأة العرافة لم تقل إنه صموئيل, لم تذكر هذا الاسم, وصموئيل النبي كان شخصية معروفة جدا ومشهورة وقتذاك.. بل قالت المرأة: رجل شيخ صاعد وهو مغطي بجبة, وهذا الوصف ينطبق علي مئات الناس.
2- لو كانت المرأة تحضر روح صموئيل, ثم رأت صموئيل, لكانت تفرح بنجاح مهمتها لكنها صرخت بصوت عظيم (1صم28:12), حتي أن شاول قال لها: لا تخافي, ماذا رأيت؟.
3- قالت المرأة: رأيت آلهة يصعدون من الأرض (1صم28:13).
وعبارة آلهة تعني أنها رأت كثيرين, وقد قيلت عبارة آلهة عن آلهة الأمم لأن كل آلهة الأمم شياطين (مز96:5). وقيل عن الشيطان إنه إله هذا الدهر (2كو4:4), واستخدم الكتاب تعبير آلهة أيضا في (مز82:1, 6).
لم يقل الكتاب إن شاول قد رأي صموئيل.
بل قيل إنه عندما قالت المرأة: أري آلهة يصعدون من الأرض سأل شاول: ما هي صورته؟ فلما وصفته وقع علي وجهه إلي الأرض وسجد, لأن صموئيل بالنسبة إلي شاول هو شخص مهاب, شاول استنتج من وصف المرأة أنه صموئيل, وسجد إلي الأرض دون أن يراه, وسمع ولم ير.
لا الصاعد من الأرض قال إنه صموئيل, ولا العرافة قالت إنه صموئيل, إنما شاول فقط استنتج أنه صموئيل دون أن يراه.
حتي إن كان الذي ظهر له شكل صموئيل, نقول:
إن الشيطان يمكن أن يغير شكله إلي شبه ملاك نور (2كو11:14), وليس فقط إلي شكل صموئيل.
أما عبارة قال صموئيل وأمثالها فلا تدل علي أنه صموئيل النبي, وإنما ما ظنوه أنه صموئيل..
والكتاب المقدس يستخدم هذه الأساليب, بأن يسمي الناس حسب معتقداتهم, ومن أمثلة ذلك:
+ فقد قال الرب: إن قام في وسطك نبي, أو حالم حلما, وأعطاك آية أو أعجوبة, ولو حدثت الآية أو الأعجوبة التي كلمك عنها قائلا: لنذهب وراء آلهة أخري لا تعرفها فلا تسمع لكلام ذلك النبي أو الحالم ذلك الحلم. لأن الرب إلهكم يمتحنكم لكي يعلم هل تحبون الرب إلهكم.. (تث13:1-3).
هنا سماه الرب نبيا, مع أنه ليس نبيا بل يدعو لاتباع آلهة أخري, ولكنه استخدم التعبير المألوف.
+ في حديث إيليا النبي متحديا أنبياء البعل أن يصلوا لإلههم, قال لهم: ادعو بصوت عال, لأنه إله لعله مستغرق أو في خلوة أو في سفره, أو لعله نائم فيستيقظ (1مل18:27).
فاستخدم إيليا النبي تعبير إله مع أنه يتحدث عن صنم للأمم.
كيف يقول عن صموئيل النبي العظيم, إنه أتي صاعدا من الأرض؟! إنه تعبير لا يليق بكرامة الأنبياء!..
فلو كان الله يريد أن يظهر صموئيل ليبكت شاول, أو ليحمل له إنذارا, ما كان أسهل أن يجعله يظهر بأسلوب أكثر وقارا, وليس صاعدا من الأرض, الأمر المحاط بالريبة والشك!
وهل من المعقول أن يرسل الله رسالة إلي شاول المرفوض؟!
حيث لم تكن هناك صلة ولا شركة بين الله وشاول, بل كانت هناك خصومة, وقد رفضه الله, ونزع روحه منه, وبغته روح ردئ من قبل الرب (1صم16:14), ورفض الله أن يجيبه: لا بالأحلام, ولا بالأوريم, ولا بالأنبياء (1صم28:6), وكان شاول يعرف ذلك جيدا, وقد قاله (1صم28:15).
فما معني أن يعود الله ليكلمه؟! وعن طريق العرافة و(الجان)!!
وما كان شاول يستجيب لشئ من كلام الله إليه, فالكلام معه لا يفيد, هذا الذي أسلمه الله إلي ذهن مرفوض (رو1:28).
في رأيي- وهو مجرد رأي خاص..
أن الذي ظهر لشاول لم يكن هو صموئيل النبي.. مجرد رأي..
ومع ذلك, حتي لو كان الذي ظهر هو صموئيل, فلا يكون ذلك عن طريق العرافة, وإنما خلال تلك المناسبة, لأن تلك المرأة نفسها لم تقل إنها أصعدت صموئيل.
حتي لو كان ذلك قد حدث, فإن العهد القديم غير العهد الجديد.
ففي تلك الأيام- وقبل الفداء, وقبل تقييد الشيطان- كان يوصف الشيطان بأنه رئيس هذا العالم (يو14:30).
أما في العهد الجديد, فليس الأمر هكذا, هذا الذي أعطينا فيه سلطانا علي قوة العدو (لو10:19), وسلطانا لإخراج الشياطين (مت10:1, 8).
فلا تؤخذ حادثة في العهد القديم -أيا كان تفسيرها- لكي تطبق في العهد الجديد, لتعطي مثالا عن تحضير أرواح الأنبياء!!
والذي يؤمن بتحضير روح نبي وبالعرافة و(الجن) سيؤمن بعد ذلك بتحضير أي روح!! وسيؤمن بالعرافة و(الجن) وسلطان الشر!! حاشا.