الصلاة حعلت الرب يحل بمجده في المكان فشعر المصلون بوجود الله, وبأن السحابة قد استقرت علي الخيمة.
هنا يشعر الإنسان بالعزاء, وبالفرح والسلاح, ويشعر بلذة البقاء في الصلاة, وأنه يود لو كانت الصلاة لا تنتهي..
وكما قال أحد الآباء عن الصلاة: ومن فرط حلاوة الكلمة في أفواههم, ما كانوا يريدون أن ينتقلوا منها إلي كلمة أخري في صلواتهم.
الذي يشعر بلذة الصلاة, وبوجود الله معه في الصلاة, لا يحب أن ينتقل من جو الصلاة إلي أي جو آخر بعيد عنها ولو انتهت صلاته, قد يظل واقفا, ولو صامتا, يعز عليه أن ينزع نفسه من هذا الجو الروحي.. ولو يقول عبارة واحدة: لا أريد يارب أن أتركك إلي عمل آخر. ولا أريد أن أختم الحديث معك, لكي أتحدث مع أحد سواك..
من هنا كانت الصلاة الدائمة, ليست كعمل تعصبي أو مجرد تدريب, إنما رغبة في البقاء مع الله أطول وقت..
هناك أوقات كثيرة تشعر فيها بالوجود مع الله, ولكن وقت الصلاة والتأمل هو أعمقها وأقواها..
وماذا أيضا يشعرك بالوجود في حضرة الله.
3- الأماكن المقدسة..
إن جو الكنيسة والأماكن المقدسة يشعرك بالوجود مع الله أكثر من شعورك في أي مكان آخر..
ولهذا نجد إنسانا روحيا مثل داود النبي يستطيع أن يكون روحيا في أي مكان ويتمتع بالله.. إلا أنه مع ذلك يقول: مساكنك محبوبة أيها الرب إله القوات. تشتاق وتذوب نفسي للدخول إلي ديار الرب. قلبي وجسمي قد ابتهجا ابتهاجا بالإله الحي. مذابحك أيها الرب إله القوات ملكي وإلهي. طوبي لكل السكان في بيتك, يباركونك إلي الأبد (مز83).
ويقول: واحدة طلبت من الرب وإياها التمس, أن أسكن في بيت الرب كل أيام حياتي, لكي أنظر نعيم الرب وأتفرس في هيكله (مز26).
وهكذا يترنم المرنم بالجبل المقدس, ومدينة الله, ويقول: أساساته في الجبال المقدسة. أحب الرب أبواب صهيون أكثر من جميع مساكن يعقوب. أعمال مجيدة قد قيلت عنك يا مدينة الله (مز86). ههنا موضع راحتي إلي أبد الأبد. ههنا أسكن لأني اشتهيته (مز131). ببيتك تليق القداسة يارب (مز92) رفعت عيني إلي الجبال, من حيث يأتي عوني (مز120).
إن زيارة لمكان مقدس لدير لمغارة قديس لكنيسة قديمة قد تكون لها تأثيرات روحية عميقة داخل النفس.
تشعر الإنسان بوجود الله في هذا المكان, كما قال أبونا يعقوب عن بيت إيل: إن الله في هذا المكان (تك28).
ولهذا يحدث أحيانا كلما أحس الإنسان باحتياجه إلي دفعة روحية قوية, يقوم بزيارة لمكان مقدس, ترجع إليه الشعور بوجود الله معه, أو بوجوده أمام الله, فيلتهب قلبه, لمجر نظر البناء, أو لمجرد نظر أيقونة معينة لها تأثير في النفس, أو لمجرد تذكر أن قديسا معنا عاش مع الله في هذا المكان..
أو قد يلجأ الإنسان إلي أية واسطة روحية تشعل محبة الله في قلبه, وتشعره بهذا الوجود الإلهي داخل القلب..
وإن اجتمع تأثير المكان, وتأثير العمل الروحي معا, فإن هذا يكون أنفع جدا.. بل هناك أمكنة تدفع الإسان دفعا إلي الصلاة, أو تعطيه عمقا خاصا في صلواته أو في تراتيله وألحانه, أو في تأملاته وقراءاته..
علي أن الوجود في الحضرة الإلهية قد لا يأتي سببه منا, وإنما من زيارة النعمة لنا, في وقت لا تعلمه, أو لا نتوقعه, أو لم نعد أنفسنا له..
وقت لا نعلمه
حقا, كما قال الرب في الإنجيل المقدس إن ملكوت الله لا يأتي بمراقبة (لو17:20).
الروح يهب حيث يشاء.
نحن لا نعلم متي يتحدث الله إلينا, متي يعلن لنا ذاته, متي تزورنا نعمته, متي نجد أنفسنا أمام الله..
إنما في وقت لا نعلمه, يعمل الله في قلوبنا من حيث لا ندري ويشعرنا بوجوده. وهكذا فعل مع القديسين, في وقت ما كان يتوقعه موسي النبي, وبطريقة لم تخطر له علي بال, كلمه الله من النار المشتعلة في العليقة, وأعلن له ذاته, وأرسله ليخلص الشعب.. (خر3).
وفي وقت ما, كلم الله أبانا أبرآم, ودعاه للحياة معه (تك13), وجد أبرآم نفسه أمام الله, دون أن يخطر له هذا علي بال, وتكرر الأمر في حياته مرات.. إن ملكوت الله لا يأتي بمراقبة.
كذلك صموئيل النبي وهو طفل ما كان ينتظر مطلقا, أن يكون له حديث مع الله, أو أن يختاره لرسالة معينة أو لنبوة, ولكنه وجد نفسه أمام الله في وقت لا يعلمه ولا يتوقعه.
وبنفس الأسلوب, شاول الطرسوسي في طريق دمشق, وجد نفسه أمام النور, أمام دعوة, أمام عتاب, وأمام المسيح شخصيا. صار رسولا من حيث لا يدري, بل وفي عكس الطريق الذي انتهجه لنفسه.
في وقت غير معروف, تفتقد النعمة قلب إنسان, فتشعله, كما هو مطلوب منه, أن يتجاوز ويستغل الفرصة.
أنت لا تدري متي يطرق الله علي بابك. كل ما تدريه أنك إن سمعت صوته لا تقسي قلبك, بل تفتح بابك مباشرة, وتقول له في حب: تعال أيها الرب يسوع.
مشكلة عذراء النشيد, أنها لم تفتح للرب, حينما أتاها طافرا علي الجبال وقافزا علي التلال, ولا حينما مد يده من الكوة, فأنت عليه أحشاؤها.. لذلك قالت في ألم شديد: حبيبي تحول عبر. نفسي خرجت حينما أدبر. طلبته فما وجدته. دعوته فما أجابني (نش5:2-6).
في فترات زيارة النعمة, يشعر الإنسان بوجود الله معه. يشعر بحرارة غير عادية, واقتراب قلبه إلي إلهه, وبحب عجيب للرب وملكوته وبرغبة في الصلاة, وعمق في التأمل, كما يشعر بسيطرته علي فكره وتوجيهه توجيها روحيا.
إن رأيت هذا في نفسك, فتذكر قول الرسول: لا تطفئوا الروح (1تس5:19). وإن لم تكن في هذه الحالة الروحية, فلا تحاول أن ترقبها متي تجيء. إنما يكفي أن نقول في مزاميرك: مستعد قلبي يا الله, مستعد قلبي (مز56).
وباستمرار كلما وجدت في داخلك اشتياقا روحيا, حاول أن تلهبه بالأكثر. إن وجدت في داخلك رغبة في التوبة أو في الاعتراف, لا تتوان ولا تؤجل. وإن وجدت رغبة ملحة أن تصلي, فلا تتكاسل.
واحترس من أن يكبر قلبك خلال زيارات النعمة.
وجودك في حضرة الله, يناسبه التواضع بالأكثر, وانسحاق القلب, والشعور بعدم الاستحقاق, فبهذا يمكن أن يعطيك الرب أكثر فأكثر, لأنه يعطي المتواضعين نعمة (يع4:6).
وكلما تجد نفسك مع الله, قل: إنه من أجل احتياجي سمح الرب أن يفتقدني بنعمته, وليس ذلك بسبب استحقاقي.
إنه ليس بجهدنا نكون مع الرب, إنما بحنانه وجوده.
من أجل محبته لبني البشر, من أجل عدم مشيئته أن يموت الخاطئ.. من أجل رعايته وعنايته وأبوته, حتي دون طلب منا, كما فعل مع تلميذي عمواس ومع شاول الطرسوسي.
تبارك الرب في عظم محبته. له المجد من الآن وإلي الأبد آمين.