يشكو معظم الناس هذه الأيام من القلق، الصغير والكبير، الرجل والمرأة وحتى الطفل، وهذه حالة منتشرة فى كل مكان فى العالم، مع تغير نسبتها بالطبع، ولذلك يطلق علماء النفس على عصرنا هذا، عصر القلق، وهو من اكثر الامراض النفسية المنتشرة فى العالم.
من هنا اهتم الدكتور صمويل حبيب بأن يقدم لنا هذه الدراسة عن القلق فى هذا الكتاب الذى نتصفحه معا وتحت نفس العنوان(القلق).
يحتوي الكتاب على 6 فصول يعرض فيها المؤلف ظاهرة القلق ومفهومه واسبابه وانواعه وكيفية اكتشافه وعلاجه.
الفصل الأول: مفهوم القلق:
القلق حالة من الهم والضيق والألم تتملك الإنسان وترتبط بشئ أو سبب واضح أو غير واضح، قد يكون موجودا أو غير موجود، أو بمخاوف قادمة قد تكون قائمة أو غير موجودة.
القلق شعور داخلى يسيطر على ذات الإنسان، ويتمكن منها، وبالتالى يسيطر كلية على الإهتمامات الفكرية للإنسان ويعطل حياته العادية، وهذه الحالة الوجدانية ليست وراثية، لكنها مكتسبة، يأخذها الإنسان من البيئة والمجتمع، وقد ترتبط بظروف معينة وتزول بزوالها، وقد تكون سمة Trait من سمات شخص ما، يبدأ القلق فى حياة الفرد مع طفولته، فالطفل يشعر ويحس بالقلق، عندما يخرج من رحم أمه الى العالم الواسع، كما يشعر به أيضا متى حرم حنان الأم أو الأب.
الأذكياء أكثر تعرضا للقلق، ويظهر القلق عادة عند وجود خطرمتوقع، أى كرد فعل وكلمة قلق Anxiety كلمة يونانية تعنى العقل المنقسم، فانقسام العقل أو الفكر يولد القلق.
ثانيا أسباب القلق:
قد ينشأ القلق عن أسباب عادية، كالطالب الذى يذهب الى الامتحان، أو الزوج الذى يقلق لتأخر زوجته فى العودة الى المنزل مساء، ونفس الحال مع الأبناء أثناء عودتهم من المدرسة.
هناك اسباب تربوية فالأسرة التى تعيش فى شجار ومنازعات دائمة يشعر أبناؤها بالقلق والخوف من المستقبل، والطفل الذى يقع تحت طائلة اللوم والتوبيخ والعقاب الدائم من والديه يشعره بالحرمان من الحب والعطف والقلق فيبحث عن الحب فى اى مكان وقد يندفع الى الانحراف.
والسيدة الحامل كثيرة القلق، تؤثر على طفلها وهو فى بطنها ايضا جو الأسرة المشحون بالخلافات والصراعات. وأبناء مدمنى الخمر والمخدرات يعانون من قلق شديد.
الشعور بالنقص يؤدى إلى القلق ، فالطفل الذى يشعر بأنه ضعيف، والفتاه التى تشعر أنها محرومة من الجمال معرضون للقلق مالم يعوضهم الذين يعيشون معهم عن ذلك بالكلمات الحلوة والنماذج الناجحة مثلهم.. إحساس الإنسان بالخطأ أو الخطية والخوف من المستقبل، وعدم القدرة على التكيف فى المجتمع يدفع الفتى الذى ينتقل من الريف الى الحضر الى النقمة من هذا المجتمع وقد يلجأ للتطرف والعنف، ومعاناه عدم التكيف لا ترتبط فقط بالانتقال من الريف الى الحضر، بل أحيانا من بيئة حضرية الى بيئة حضرية اخرى، كانتقال شخص من عمل الى عمل آخر فيشعر بالاغتراب والقلق..
فلسفة الانسان فى الحياة لها دور كبير فى شعوره بالقلق، فالتفاؤل والتشاؤم يدفعان صاحبهما للقلق. المتفائل يرى الأبيض ويعممه، والمتشائم يرى الأسود ويعممه، فالأسراف فى التفاؤل يؤدى الى عدم الاحتياط الكافى، وإلى الإهمال الذى يؤدى بطبيعته الى القلق. والتشاؤم يلقى بظلاله على حياه صاحبه فيترك فيها بصمات قلق شديدة..
العداء والكراهية والغيرة الشديدة.. يؤدى الى القلق، كذلك التردد والحيرة يثير القلق مثل اختيار حرفة الحياة او الهجرة الى الخارج.. عدم الإشباع النفسى يؤدى الى القلق، فكل إنسان يحتاج للتقديرSigniFicance ، وللتقدير الذاتى بخاصةSelf-Steem الذى يعطيه الإحساس بأهميته، وكل إنسان يريد أن يجب وان يكون محبوبا. فالحب المتبادل يعطى شبع نفسى، والإنسان يحتاج للأمن والأمانSecurity الذى يعطيه الاستقرار وراحة النفس، فالإنسان يهتم بتحقيق أهدافه فى الحياة، وعندما يشعر بوجود معطلات تقف فى طريقه سيطر عليه القلق. هناك أيضا أسباب فسيولوجية عديدة تثير القلق عند الإنسان، وكل الامراض التى تعانى منها قد تكون مصدرا رئيسيا لذلك، وبخاصة الامراض الخطيرة.
ثالثا: انواع القلق
هناك آراء كثيرة بالنسبة لانواع القلق نوجزها فى نوعين هما:
1. القلق الموضوعى
2. القلق العصابى.
· القلق الموضوعى هو قلق موضوعى حقيقى واقع، أو رد فعل لشئ معروف، والقلق ظاهرة عامة فى الانسان السوى، حينما يواجه خطراً أو تهديدا، القلق هنا قلق طبيعى، لانه يرتبط بالواقع، وسيظل موجودا ما دام الإنسان حيا.
ويجب ان نعلم أن قدرا معقولا من القلق الطبيعى هو نعمة من نعم الله، يحفز الإنسان للعمل ويدفعه لمواجهة الحياة وأحداثها، يعاونه على سرعة التفكير والتصرف وتحدى الضعف، واتخاذ القرار الصعب، ومن ثم يقوده إلى التقدم.
· القلق العصابى هو رد فعل لإدراك ظروف غير معروفة،يحتمل وجودها، أو عدم وجودها، وقد يرتبط بخيالات وهمية غير معقولة. القلق العصابى هو القلق الذى يزيد عن القلق الطبيعى الموضوعى، ويشتد جدا، مما ينتج عنه أن يقلل كفاءة الإنسان وقدرته على التركيز، ويضعف قدرته على مواجهة الحياة، وحل المشكلات، ويصيب الإنسان بامراض جسمانية أو نفسية، وهو فى هذه الحالة يحتاج الى علاج، القلق العصابى قد ينشأ مع الطفولة، لأسباب عميقة مترسبة فى اللاشعور، أو الخوف الشديد من المستقبل أو عدم استقرار العواطف.
رابعا: اكتشاف القلق:
اكتشاف القلق سهل عند صاحبه، لكنه صعب اكتشافه عند الاخرين، فالقلق تصاحبه مظاهر جسمية مثل بكاء الطفل وعدم الابتسام، وبالنسبة للكبار خفقان القلب وسرعة ضرباته، صعوبة التنفس، فقدان الشهية، الدوار والصداع، كثرة التبول أو التبول اللا إرادى، عسر الهضم وارتفاع ضغط الدم. من مظاهر القلق أيضا: قلة التركيز فى العمل او فى الحديث وعدم الاقدام على العمل او الانتاج، سرعة النسيان، قضم الاظافر، التعب المستمر، الُثأثأة، الشك فى الاخرين، الغضب والبكاء واحيانا الاكتئاب.
اما عن ارتباط المظاهر الجسمية بالمشكلة النفسية فى القلق، فهو ناتج عن احساس الانسان بالخطر الذى يؤدى الى افراز هرمونات فى الدم، اهمها هرمون الادرنالينadrenaline وغيره، وهى التى تؤدى الى سرعة خفقان القلب وارتفاع ضغط الدم، وقد ينتج عنها ازدياد نسبة السكر فى الدم.
خامسا: كيف يواجهون القلق؟
يختلف الناس فى مواجهة الأزمات، وفى مواجهة القلق تأتى معظم المواجهات سلبية، لاتقترب من العلاج. فالبعض يواجهه بالانطواء على ذواتهم، ورثاء الذاتSelf-Pity، فالانطواء على النفس يزيد الإحساس بالمشكلات، والخوف من الالم يزيد الالم، وكثرة استخدام المسكنات يزيد القلق. والنتيجة أن السلبية تزيد المشكلة.. والكبت واخفاء القلق يحوله إلى امراض عصابية، فالكبت معناه أن ينكر الإنسان على نفسه واقعة ويهرب منه.. أحيانا يواجه الإنسان القلق بالتبرم والانتقام والذعر فيرتكب أشياء واعمال تضره مثل اللجوء الى المكسرات والمخدرات او لعب الميسر، وفى هذا الحال يفقد احترامه لنفسه بل واحترام الاخرين له، ثم يفقد ثقته فى نفسه، وهذا هو الخطر..قد يواجه الأنسان القلق بالتبرير فيقول أن الموضوع قضاء وقدر، أو أن الاخرين هم السبب، وهذا هروب من الواقع.. الطريف ايضا ان يتهم البعض القوى الشريرة والشيطان بالسبب فى القلق فيلجأ الى السحرة والمنجمين والمشعوزين وهذه هى هواية العاجز الذى يريد ان يهرب من المحنة دون اعمال الفكر واستخدام العقل:
سادسا: علاج القلق:
ونأتى الى الفصل السادس والاخير من الكتاب حيث يقدم لنا المؤلف الدكتور صموئيل حبيب العلاج.
ليس فى القلق ما يخجل منه الإنسان، فكل إنسان معرض له، والقلق حالة وجدانية توجد فى كل إنسان، وأول طرق العلاج هو الهدوء والواقعية فى تناول ودراسة الأسباب والظروف ومحاولة اكتشاف كافة المشكلات التى تحيط بالموقف، ثم فى حالة وجود خطأ فالاعتراف هو الحل، والشجاع هو الذى يعترف بخطئه حتى يجد الوسيلة لحل المشكلة. ومن المهم ان يدرك كل انسان محدوديته كانسان، فلا يبالغ فى تشويه نفسه وجلدها،وتضخيم عيوبه وشعوره بالنقص، فيفقد القدرة على مواجهة الواقع. وفى مقابل ذلك تاتى صورة الشخص المغرور، الذى لا يرى عيوبه، ويضخم فى ذاته ومميزاته، فيفقد القدرة على مواجهة الواقع ايضا، وهنا يأتى ضبط النفس والثقة الضرورية فى النفس وتقوية الإرادة الصالحة، والأيمان العميق فى الله، وتدريب الانسان نفسه على مواجهة المواقف الصعبة، كإنسان سوى، ينضج روحيا ونفسيا وعاطفيا فى حل المشكلات ومنها القلق بالطبع والانسان السوى، يقف بصلابة فى مواجهة المحن، دون تهور أو غضب.
القلق فى درجاته المتوسطة والمعقولة يدفع صاحبه للعمل والبناء والابتكار، ويستطيع الانسان ان يحول حالات القلق الى قدرات ابداعية فى خدمة الاخرين والدفاع عن المظلوم وحب الغير مما يزيد ثقته فى نفسه.