إيهاب الخراط لـ”وطني”:
– الكادحون إذا سقطوا تحت حد الفقر ستحدث كوارث
من على استعداد للقلق سيصير أكثر قلقًا.. ومن على استعداد للاكتئاب سيصير أكثر اكتئابًا
60 % من العمالة في مصر غير رسمية.. فالموت بكورونا أو الموت جوعاً
الفزع من وفيات كورونا خرافة و الأطفال يلتقطون الخوف من عيون الكبار
“خلق الله الإنسان ليكون له فكر و وعي، عقل يدرك به ويقيم الأمور، ويرتب نتائج على أسباب ويستخلص مضامين من مظاهر، خُلق الإنسان ليكون له شعور و إحساس، يشعر بالسعادة فيفضلها عن التعاسة والشبع فيفضله عن الجوع و التواصل فيفضله عن الانفصال. لتكون له إرادة حرة، يعرف أيهما يختار الأنانية أم الحب، فيكذب أو يكون صادقاً، يسرق أو يحفظ الأمانة، يشتهي أو يضبط نفسه ينحصر في نفسه أو يحمل هموم الآخرين أيضاً، يغلق عينيه أو يفتحها ليري الناس، هو حر والحرية قدره لا مهرب منها.
وبهذه الخصائص صار في داخل كل إنسان قانوناً، ليحب ويسعد ويزدهر، وإن انحسر في ذاته يهلك ويتعس”
** هكذا يقول الدكتور إيهاب الخراط استشاري الطب النفسي وعلاج الإدمان، فى كتابه “حجاب الحب” الذي يجسد فيه خلاصة تجربته الإنسانية، بعد أن ساهم في شفاء وتعافي الآلاف من المدمنين، والمرضى النفسيين، الذين تعرضوا لهزات نفسية عنيفة.
وما شهدناه خلال الأسابيع الماضية بسبب جائحة “كورونا”، من تخبط، وانزواء، التزام وتمرد، خوف واستهتار، أنانية، وتضحيات، توبة وسخط وتذمر، امتنان وتعاطف مع موتى كورونا، ورفض دفنهم فى قرى بعض المحافظات، تخلي عن عمالة وتسريح موظفين، وتخزين سلع في حالة من حالات “شراء الذعر”، واحسانات وصدقات وجمع تبرعات للمعزولين، إنها النفس الإنسانية التي تخرج أجمل وأسوأ ما فيها في الجوائح، يدفعنا للتعرف على تأثير تفشي فيروس كورونا على التركيبة النفسية للمصريين من خلال هذا الحوار مع الدكتور إيهاب الخراط:-
هل تسبب فيروس “كورونا” في تغيير فى التركيبة النفسية للشعب المصري.. سلبًا أو إيجاباً؟
** لا أؤمن أن هناك تغييراً يحدث فى التركيبة النفسية الجمعية، بسبب الجائحة. ولكن، هذا النوع من الجوائح يخلق تضامناً بين الناس، هذا التضامن الإنساني العالمي يجعل الناس يدركون أن البشرية كلها في قارب واحد، فيخرجهم من مرحلة ضيقة الأفق من التدين، والوعي، إلى مستوى أرحب من الإيمان والفهم الروحاني نعم، إنه الشعور بالمواجهة الوجودية مع النفس في فرص العزلة، والابتعاد عن الزحام اليومي المعتاد، قد تكون مناسبة للنمو الإنساني والوجودى ومواجهة النفس ، وإيجاد حلول أعمق للأسئلة الوجودية، أو قد تكون سبباً للتدهور، فمن يسعى للنمو قد ينمو ومن اعتاد على الهروب، واستخدام حيل نفسية بدائية سيظل متدهوراً، وهذا لا يُعد تغييراً فى التركيبة النفسية وإنما فرصة للنمو النفسي، أو أزمة للتدهور.
– مامصير الأشخاص الذين يصارعون القلق والوساوس القهرية قبل انتشار كورونا؟
** للأٍسف إجراءات مواجهة الكورونا تُماثل أكثر أنواع الوسواس القهرى انتشاراً، مثل كثرة غسيل الأيدى والاهتمام بالنظافة، والتخوف من أى شخص مُصاب، وتلك المُماثلة قد تزيد من الوسواس القهري، فلم يحدث فى تاريخ العلم الحديث جائحة بهذا الشكل، لكن لا نستطيع أن نعلم إطلاقاً ماذا سيحدث داخل النفس البشرية، فقد يشعر بعض الذين يعانون من الوسواس القهرى بالراحة؛ لأن معظم الناس أصبحت تشبههم فى السلوك العام والبعض الآخر قد تتدهور حالته الاستعداد النفسي
– يقول سيجموند فرويد – مؤسس علم التحليل النفسي- القلق هو المادة الخام لكل الأمراض النفسية.. هل يعنى ذلك أن الكرة الأرضية مُرشحة لكل الأمراض النفسية بعد كورونا؟
** سيجموند فرويد يتحدث عن القلق الأساسي –الداخلي- وهو يختلف عن القلق من الأمور الخارجية، الواردة علينا، والعلماء السلوكيين مثل إيفان بافلوف- مؤسس المدرسة السلوكية فى علم النفس-تحدثوا عن الوصع المُقلق الوارد من حدث خارجي طاريء، والذي يُفجر أى ميل لأي مشكلة نفسية، وهو ما يعني أن من على استعداد للقلق يصير أكثر قلقاً، ومن على استعداد للاكتئاب يصير أكثر اكتئاباً، ومن على استعداد للبارانويا يصير أكثر شعوراً بالعظمة أو شعوراً بالاضظهاد أو الاثنين معاً.
– ماهو تأثير ذعر “كورونا” على الأطفال؟
** الخوف بالنسبة للأطفال عدوى من الكبار، حتى لو حاول الأهل عدم إظهار الخوف، يلتقط الصغار ذعرهم سريعاً، ويعبرون عنه، وللتعامل مع هذا الخوف يجب العمل فى اتجاه التعامل مع خوف الكبار أولاً لأنهم المنوطين بطمأنة الصغار الذين يعيشون معهم الحجر الصحي والاكتئاب
-ما هى الآثار النفسية للعزل، وللحجر الصحي؟
** التأثير النفسي للحجر الصحي، يحمل التأثير النفسى لمعظم الناس خلال جائحة كورونا، مضافاً إليه إحساس العزلة فى مكان غريب، وغير مألوف لدى الشخص المعزول، وكلما تقدم الإنسان في العمر، كلما كان تغيير مكانه صعب جداً عليه، فما أدراكم بتغيير تحت ظروف غير مفهومة وغير معتادة، الأمر الذي يزيد معه الضغط النفسي على مريض العزل، وقد يؤدي ذلك إلى القلق والاكتئاب، ولكن الحجر الصحي أيضاً يمنح عنصراً إيجابياً، فعندما يجتمع مجموعة من الناس في مواجهة خطر جسينم غامض، كلما ازداد تضامنهم سويًا، وهذه نتيجة لدراسة كلاسيكية فى علم النفس الاجتماعي، ظهرت فى عام 1965 حيث وضع الباحثين النفسيين، مجموعة من المبحوثين، فى غرفة وأخبروهم أن بينهم من هو معرض لخطر الموت، و لم يحددوا الشخص، وتركوهم لفترة من الزمن، الأمر الذي أنشأ تضامناً إنسانياً بينهم.
وهذا ما يحدث فى الحجر الصحي ولكن حالياً يضاف إلى ذلك إمكانية حدوث العكس أيضاً فى نفس الوقت، فالخوف قد يقفز إلى السطح، بديلاً عن التضامن، فالبعض قد يمثل خطراً على غيره، والبعض يخشى من غيره، خاصة الطواقم الطبية، من نقل العدوى، و ربما يصنع ذلك تيارين متضادين، وعلى أى حال الدراسات العلمية، المُتزنة عن الحجر الصحي قليلة، وحالياً أقوم بالإشرف على دراسة أظهرت ارتفاع نسبة القلق والاكتئاب بين المعزولين قسرياً، وهذا هو الثابت حالياً.
وهو ما ينطبق على العزل القسرى أيضا للمناطق والقرى الموبوءة.
الموت بكورونا والموت بالجوع.. هل تعتقد أن هذا هو السبب فى التظاهرات التي خرجت احتجاجاً على الحظر والعزل لبعض المناطق الموبوءة؟
** بطبيعة الحال علينا إدراك أن المظاهرات التي تتم حال عزل مجموعات بشرية بأكملها، مثل القرى والأحياء التي تعرضت للعزل، أمر يضع ضغوطاً كبيرة على الكادحين لأن الكادح يعيش باليومية، ولا نستطيع حرمانه من الذهاب إلى عمله الذي قد يكون بعيداً عن مكان سكنه، وفي منطقة أخرى، لكن لا يمكن أيضا أن نغفل بعض التهييج الذي تمارسه أبواق معادية للنظام، تحاول تأليب الناس مستغلة فرصة الجائحة.
– إذًا أنت متعاطف مع فكرة فتح الباب لعودة الحياة لطبيعتها لما قبل كورونا تدريجيًا بسبب تدهور الحالة الاقتصادية وتردي الأحوال المعيشية رغم تزايد أعداد الإصابات؟
** يجب أن ندرك أن السماح بانهيار الاقتصاد قد يؤدى إلى مآسى فى حياة الفقراء، والكادحين، أكبر من الوفيات التى قد يسببها كورونا، كورونا مهما انتشر قد يسبب وفيات 1% من مجموع السكان، لكن “فى بلدنا فى ناس بتموتمن الجوع” وغير صحيح المثل الشعبي القائل أن “مصر ماحدش فيها بيموت من الجوع” لأن فعلياً هناك أطفال يموتون بسبب الجوع و سوء التغذية و نقصها، ولو تركنا هذه الفئات لفترة طويلة بلا عمل، بسبب تعطل الاقتصاد واتساع دائرة الفقر، فأولئك الذين يمثلون أعداداً كبيرة من المصريين- يدبرون بالكاد احتياجاتهم الأساسية من الغذاء والمأوى، احتياجاتهم للوقاية من الأمراض والوقاية من البرد، احتياجاتهم من الأدوية، فإذا سقطت هذه الفئات تحت حد الفقر، وعجزت عن تدبير هذا المطلوب-وذلك وارد جداً- مهما حاولت الجهات والأفراد تنظيم أعمال خيرية وإحسانات وصدقات، لا يمكن أن نتمكن من إسعاف ملايين الذين قد يسقطون تحت حد القدرة على تدبير القوت اليومي، وستحدث كوارث – نحن فى غنى عنها-
مصر حتى اليوم ليس بها مظلة تأمين اجتماعي شاملة، أو شبكة أمان اجتماعي للعاطلين عن العمل، و60 % من الاقتصاد المصري قائم على العمالة غير الرسمية أى عمالغير مسجلين لدى أى جهة لتوصيل أى إعانات بطالة، والاقتصاد لا يحتمل توصيل إعانات لكل تلك الأعداد، وفعلياً فإن الحالة الاقتصادية لا يمكن أن تحتمل الإغلاق كما قال كثير من السياسيين و رجال الأعمال، بل والمدافعين عن الكادحين أيضًا.
تابعنا بمنتهي الأسى الفزع الوحشي الذى أصاب البعض وتسبب فى منعهم لدفن موتى كورونا ما هو تفسيرك؟
** الفزع من دفن الضحايا الذين يتوفاهم الله قائم على خرافات ويتم ذلك من قبل المعادين للنظام، أو من قبل الدروايش الذين يستخدمون الدين لتغييب الناس، لذلك يجب تداول معلومات صحيحة والابتعاد عن المعلومات المغلوطة التي قد تسبب كوارث، فالفيروس يعيش على الأسطح المكشوفة فترة من الزمن، هذه الأسطح تشمل جلد المتوفي الذي تتم تغطيته بطبقتين أو ثلاث طبقات من البلاستيك، بصورة جيدة، تمنع أى تسرب، فالفيروس ليس إشعاع ذري وليس هناك ما يدعو للفزع، الذي مع أقل تهييج جماهيري يؤدي لرد الفعل الذي شهدنا فى بعض القرى.
** كيف تتم مساعدة من أصيبوا على التعافي النفسي فى ظل أنباء عن إمكانية تكرار الإصابة بكورونا؟
** التعامل مع الآثار السلبية للضغوط التي تعرض لها من أصيبوا بالفيروس، سواء كان الشعور الغالب هو القلق أو الغضب أو الاكتئاب والحزن، يجب أن يكون بصورة أعمق على المستوى الوجودي أو الروحي و العناصر العامة فيها، هي دفع المصاب إلى رؤية الواقع واحتمالات الخطر، والنجاة كما هى، وتغيير طرق التفكير للتدريب على طرق تفكير أكثر واقعية وأكثر إيجابية والتعامل مع النفس والضغوط بصورة أكثر إيجابية، فالاستماع للموسيقى والرياضة والتعبد المنزلي واستخدام الواقع الافتراضي عبر الانترنت فيه تعويض، فضلاً عن الدفء الأسري، والابتعاد عن مجموعات الوصم الذى طال كثيرين، كل هذا يساعد فى التعافي النفسي، لأن المصاب مُبتلي ولا ذنب له فى الإصابة، فلا يمكن أن يضيف المجتمع ضغطاً إضافياً على ضغوطه.
– انتشرت نظرية المؤامرة وتبادل الاتهامات على مستوى الدول، فهل لذلك علاقة بالتأثير النفسي للجائحة؟
** هذا له علاقة بنظرية المؤامرة من جانب، و إقحام السياسة فى الأمور من جانب آخر، فبرزت انتهازية بعض الحكام، ولكن الأمر الذى يخصنا أن انتشار الاستناد لنظرية المؤامرة يختلف من مجتمع لمجتمع، فمثلا استخدمته أمريكا في الحديث عن الصين واتهامها بأنها قامت باختراع الفيروس، وفي المجتمعات الشرقية سرت شائعة التحقيق مع أستاذ الكيمياء الذي اخترع الفيروس، وهو غير صحيح، فالرجل معرض للتحقيق لإخفاء معلومات لا علاقة لها بفيروس كورونا.
كما أنه أستاذ في مادة الكيمياء التي لا تسمح باختراع فيروسات، فلا يمكن تخليق فيروس من الكيمياء، بينما يمكن بعلم الهندسة الوراثية تغيير صفة أو عدة صفات لفيروس أو بكتيريا، وهذا ليس عمل أساتذة الكيمياء.
انتشرت في مصر فكرة أن الوباء غضب من الله.. ما تفسيرك لذلك؟
** لا يفرض الله على الإنسان التوبة, هو فقط يدعو إليها، ولا يقيد يديه فيمنع الاستمرار في عناد البشر، وهو في هذا وذاك يتصرف من منطلق الحب.
ولذلك، يرسل الأنبياء ويدعو الناس إليه ويتكلم في الطبيعة وفي جمالها وفي التاريخ وقوانينه وفي الناس أبراراً وخطاة، يتحدث إلينا في قلوبنا وفي آذاننا.
كل هذه الادعاءات جرأة من البعض بالنسب إلى الله أنه أتى البشرية بجائحة، في محاولة استغلال الوضع لنشر عقيدة تخويف بعينها.
دكتور إيهاب الخراط طبيب بشري تخرج من كلية الطب جامعة القاهرة 1982،حصل منها على ماجستير الطب النفسي و الدكتوراة في علاج الإدمان من جامعة “كنت” بانجلترا .
مدير عدة مراكز للتأهيل الاجتماعي و النفسي للإدمان.
• مؤسسس ورئيس منظمة العدالة و الحرية منذ 2002 التي تعمل على تدريب القيادات المحلية على استرداد حقوق المظلومين (أكثر من ألفي متطوع و 16 ألف متدرب في 10 محافظات) . • عضو مؤسس حركة” أطباء لكل الوطن” النقابية 1988. • الرئيس السابق للتجمع العالمي للتعامل مع التعاطي والإدمان والذى يضم أعضاء من 75 دولة.
رائد برامج تأهيل المدمنين والوقاية من التعاطي والإدمان في مصر كبير خبراء برامج الأمم المتحدة في القيادية والإدمان والسلوكيات
المحفوفة بالمخاطر.. أسس مركز تدريب معترف به عالمياً و مزرعة نموذجية لتأهيل المدمنين .
أسس برنامج الحريه في 1989 في وادي النطرون بدايه بفرع واحد حتى وصل 32 فرع في جميع انحاء الجمهورية و يعتبر برنامج الحريه هو الأكبر و الأقدم في مصر و الشرق الأوسط تحت أشرافه اذ ان الخراط هو مؤسس اول مجتمع علاجي متكامل للإدمان في مصر و الشرق الأوسط في عام 1997قام بالتدريس فى جامعات لندن وكنت وألقى محاضرات في السعودية و قطر و لبنان و كل الدول العربية إضافة للولايات المتحدة وأسبانيا و روسيا و أوكرانيا وكندا و كينيا وجنوب أفريقيا و غيرها، عضو الهيئة العليا فى الحزب الديمقراطي الاجتماعي، وعضو سابق فى مجلس الشوري• عضو الهيئة العليا بالحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي، والذي تأسس من رحم الثورة وفي ميدان التحرير.
عضو مجلس الشورى فى عام 2012 عن شمال وشرق القاهرة متزوج من طبيبة وأب لابنة وابنين.