قراءة في ملف الأمور المسكوت عنها (608)
ملف العملية التعليمية من الملفات المصيرية التي تمثل تحديا خطيرا علي مصر أن تتصدي له في معركتها نحو التقدم والحداثة وتأسيس الدولة المدنية. لذلك أعود بين الحين والآخر لفتح هذا الملف الذي يضم محاور كثيرة.. فسبق أن كتبت عن مباني المدارس من حيث الكم والكيف: الكم بالنسبة لعدد المدارس والحاجة الملحة لبناء مدارس جديدة في سائر محافظات مصر لاستيعاب الأعداد المتزايدة من التلاميذ المنضمين إلي العملية التعليمية نتيجة زيادة السكان مع زيادة الوعي بأهمية التعليم لكل من الأولاد والبنات. والكيف بالنسبة لمواصفات مبني المدرسة ومشتملاته التي تخدم احتياجات التعليم وتلك أعترف أن هيئة الأبنية التعليمية نجحت في وضع اشتراطات مدروسة بجدية لجميع عناصر مباني المدارس من فصول وخدمات تعليمية وأنشطة وملاعب وفراغات مفتوحة بحيث تتناسب مساحة موقع المدرسة مع عدد الفصول المتاحة ومع عدد التلاميذ في الفصل الواحد ومع الفراغات المفتوحة من ملاعب وحدائق وأماكن مظللة… إلي آخر ذلك من عناصر مبني المدرسة.
تناولت قضية الكتاب المدرسي والمناهج وكيفية تطويرها وتحديثها من واقع آراء الخبراء بهدف الارتقاء بالكتاب المدرسي شكلا ومضمونا لجذب التلميذ وتيسير عملية تقديم المعلومات له واستيعابه لها.. ودعوت في هذا الخصوص إلي إتاحة الخروج من جدران الكتاب المدرسي والمقررات الجامدة إلي المراجع والكتب المدعمة للكتاب المدرسي في مكتبة المدرسة حيث يذهب التلميذ بعد مناقشته المعلومة في الفصل واستفزاز شكوكه وتساؤلاته بشأنها للبحث في المراجع والتثبت من المعلومة من أجل خلق ديناميكية وإثارة علمية تربط التلميذ بالعلم وتوقظ داخله شغفا علميا يضع الفهم والاشتباك البحثي قبل التلقين والحفظ.
كما تعرضت أيضا إلي ما اعتبرته أخطر عناصر النهوض بالتعليم وهو إعادة تأهيل المعلم ليتفهم الدور الجديد المنوط به, فبالرغم من النهضة في أبنية المدارس كما وكيفا, وبالرغم من النجاح في تحديث الكتب والمناهج, إذا لم يتم إحداث ثورة في قدرات المدرس في الفصل وإذا استمر في أداء الدور الكلاسيكي العتيق له في نقل محتوي الكتاب فقط تلقينا للتلاميذ واستحضاره حفظا لا فهما وإذا استمر يعتبر آراء التلاميذ وتساؤلاتهم وشكوكهم مجرد تعويق لدوره وتحد لهيبته, فإن ذلك المدرس كفيل بتدمير العملية التعليمية برمتها وبإفشال أية مدرسة متطورة أو كتاب حديث.
اليوم أتعرض لقضية قد يعتبرها البعض هامشية. ويراها الكثيرون مصيرية.. إنها قضية شنطة المدرسة المثقلة بالكتب والكراريس وسائر مستلزمات الدراسة والمتعلقات الشخصية للتلميذ.. لقد باتت شنطة المدرسة مثار تندر واحتجاج وسخط أولياء الأمور وخبراء التعليم وأخصائيي الصحة واللياقة البدنية لما تمثله من عبء تجاوز كل الحدود المقبولة وأصبح كابوسا مكروها من التلميذ اقترن في ذهنه بالنفور من التعليم وأحد أوجه المعاناة منه.. ويكفي أن نلاحظ شنطة المدرسة التي يحملها أبناؤنا وأحفادنا كل يوم إلي المدرسة- سواء حملوها بطريقة خاطئة بأيديهم أو بطريقة صحيحة علي ظهرهم- حتي نتبين وطأتها علي الجسم والعمود الفقري!!!
والغريب في هذه القضية أن النظر إليها من جانب المسئولين علي العملية التعليمية يفتقر إلي إدراك خطورتها وتدميرها للصحة البدنية والنفسية للتلميذ, لأنهم يكتفون بتقديم الأعذار والاستسلام لواقع الكتب والمناهج دون النظر إلي حتمية تقديم حلول لعلاجها.. وفي هذا الصدد دعوني أسجل أن شريحة ضئيلة جدا من المدارس الدولية تتيح ضمن خدماتها غرفا خاصة ملحقة بالفصول بها دواليب مخصصة للتلاميذ لحفظ الكتب والكراريس المدرسية, بحيث لا يحتاج التلميذ إلي العودة إلي المنزل في نهاية اليوم المدرسي إلا بما يحتاجه لواجباته واستعداده لليوم التالي.. وذلك يساهم إلي حد معقول في تخفيض وزن شنطة المدرسة.. لكن علي مستوي سائر المدارس الأخري وخاصة المدارس الحكومية فيحول ضيق مساحة مبني المدرسة دون إتاحة تلك الدواليب ويضطر التلميذ إلي حمل كل كتبه واحتياجاته معه.
ماذا لو استعنا بالخبراء لتجزئة الكتاب المدرسي في أي علم من العلوم إلي ثلاثة أو أربعة أجزاء مرتبطة بالمنهج المقسم علي العام الدراسي بحيث يستخدم التلميذ الجزء من الكتاب المرتبط بالفصل الدراسي بدلا من الكتاب كله؟.. وهكذا يمكن تجزئة الكراريس.. فتكون المحصلة تخفيض وزن شنطة المدرسة إلي ثلث وزنها الأصلي علي الأقل ورفع ثقلها عن كاهل التلميذ الذي ينوء بها ويتضرر منها ويكرهها!!
لن نلغي شيئا من المقررات, لكن ببساطة سينقسم كتاب اللغة العربية مثلا إلي ثلاثة أو أربعة كتيبات وهكذا الحال مع باقي الكتب ليكون استخدام كل كتيب مع الفصل الدراسي المناظر له وكذلك الكراريس.. إذا لن تمس العملية التعليمية ولا المقررات.. ودعوني أقول إني إذ أدعو لهذا المخرج لست مغيبا عن اليوم الذي يختفي فيه كل ذلك ويكون التعليم إلكترونيا سواء في الكتاب أو في إنجاز الواجب المدرسي ويتحول الاحتياج للكتاب إلي الإبحار عبر كتب ومراجع المكتبة المدرسية.