احتدم فى فرنسا الجدل حول لباس البحر الإسلامى المسمى “البوركينى” بعد أن تم منعه فى بعض الشواطئ، وبعد تصريحات عدد من السياسيين الرافضة لهذا النوع من اللباس، حيث أيدرئيس الوزراء مانويل فالس قرارات منع ارتداء هذا اللباس على الشواطىء من قبل عدد من رؤساء بلديات ذوى انتماءات يمينية. واسم “البوركينى” ليس له دلالة محددة، فقط هو إسم أطلقته منذ سنوات مصممة هذا اللباس الإسترالية عاهدة الزناتى، لأغراض تجارية. وكما ورد فى أحد المواقع الإخبارية، قالت عاهدة الزناتى: “أن فكرة هذا اللباس خطرت لها أثناء مشاهدة قريبة لها وهي تلعب كرة الشبكة“، وتضيف “أردت أن لا يُحرم أى شخص من أنشطة رياضية بسبب قيود تفرض بداعي التعفف“. وقد حقق هذا التصميم رواجا ملحوظا ليس فقط فى الدول الإسلامية ولكن فى استراليا والبلدان الغربية. وكما تعكس القرارات الفرنسية مواقف سياسية وأيديولوجية، فإنها تعكس كذلك مشكلات حقوقية، هل من حق النساء المسلمات إرتداء أزياء تناسب الثقافة ومنظومة القيم التى ينتمين إليها أم لا؟
لا شك أن أغلب الأراء الحقوقية تنحاز للحق فى الاختيار طالما أن هذا الاختيار لا يتسبب فى ضرر مادى أو أذى معنوى لآخرين. ولا يُعتد فى هذا الصدد بالمواقف والآراء التى تعتبر أن إرتداء مثل هذه الأزياء يعد من المظاهر المنفرة وغير المقبولة، لأنه لو تم الأخذ بمثل هذا الرأى، فهذا معناه أن الكثير من الأزياء وأنماط اللباس قد تكون مرفوضة من قبل من ليس لهم الحق فى رفضها، الأمر الذى يشكل اعتداء على الحقوق والحريات الشخصية، فما يروق البعض قد لتروق البعض الآخر. ولكن علينا أن نتذكر أن المسألة لا تتعلق بالاختيارات الشخصية لنوع اللباس، ولكن بمشكلة أعمق وهى الأبعاد السياسية والأيديولوجية التى جلعت من الأزياء أحد أدوات المعارك السياسية والثقافية.
بالمناسبة، فإن القرارات الفرنسية بمنع البوركينى ليست بداية الهجوم على ما يعرف بالزى الإسلامى، فقد لاحظنا على مدار السنوات الماضية الكثير من الجدل حول أزياء البحر النسائية فى بلدان عربية ومنها مصر، فضلا عن الجدل القديم بشأن الحجاب والنقاب. وقد يزعم البعض أن التقاليد الإسلامية مستهدفة دون غيرها ولكن الأمر على عكس ذلك، فقد كان الهجوم على أزياء البحر التقليدية والتى يعد البكينى أبرزها سابقا على ذلك بكثير. ففى المجتمعات العربية بدأ الهجوم على أزياء النساء منذ زمن تحت دعاوى العفة والاحتشام. وإذا كانت القرارات الفرنسية تقضى بالمنع أو فرض بعض الغرامات على من يرتدين البوركينى، فإن ما حدث فى الكثير من البلدان العربية أن الجزاءات والعقوبات ضد من يرتدين أزياء البحر التقليدية وعلى رأسها البكينى كانت ومازالت أكثر عنفا بالمعنى الرمزى والاجتماعى، إلى درجة اختفاء مثل هذه الأزياء تماما من الشواطئ العامة، فى اعتداء واضح وصريح على الحقوق والحريات الشخصية، وأصبح على من يردن ارتداء أزياء البحر التقليدية أن يلجأن إلى شواطئ خاصة أو أن يكن من طبقات ميسورةيمتلكن حيزا خاصا ل
ببساطة، وبالمعنى الاجتماعى والرمزى، كان يمكن للبكينى والبوركينى أن يتجاورا ويتعايشا على شواطئ وفى مساحات تحترم الحق فى حرية الاختيار، ولكن بما أن الأزياء باتت أحد أدوات الصراع السياسى والأيديولوجى، فإن الأمر تحول إلى صراع لفرض الشروط الثقافية والأخلاقية، وكما ذكرنا فإن شرارة هذا التوتر القيمى بدأت من طرف من نصبوا أنفسهم أوصياء على القيم والأخلاق، وجعلوا من أجساد النساء ساحة لإدارة معاركهم السياسية والأيديولوجية.