دائما هناك أوهام وحقائق تتعلق بالإختلافات بين الرجال والنساء، فمن الأمور المسلم بها أن ثنائية الرجل/المرأة أو الذكر/الأنثى حاضرة فى كل شئ تقريبا، بداية من الأزياء وإنتهاء بطرق التفكير. ومن المؤكد أن مسائل الصحة والمرض ليستا خارج دائرة التصنيف على أساس النوع الاجتماعى، فذكر الجنس يعتبر أحد المحددات الأساسية للتعريف بالمريض. وبشكل عام عندما ننسب ظواهر صحية أو مرضية إلى النساء أو الرجال فإن الأذهان تذهب مباشرة إلى الصحة الإنجابية عندما يتعلق الأمر بالنساء، كما تذهب باتجاه أمراض القلب عندما يتعلق الأمر بالرجال. ومع ذلك فإن قضايا الصحة والمرض من منظور النوع الاجتماعى أعقد من ذلك لأن لها أبعاد ثقافية واجتماعية تؤثر على الحالة الفسيولوجية والبيولوجية للجنسين. فلا شك أن السياقات الثقافية والاجتماعية والأوضاع الطبقية تؤثر بصورة مباشرة على الحالة الصحية للرجال والنساء، وتسهم فى رسم الحدود بين أمراض الرجال وأمراض النساء والتى تتغير بفعل الزمن وبتغير الأوضاع الاجتماعية.
فمن الشائع فى المجتمعات الفقيرة أن الفجوة المرضية بين الرجال والنساء تزداد، فنجد أن النساء أكثر عرضة لأمراض أو مشكلات صحية معينة ناجمة عن التمييز أو غياب الرعاية أو الإهمال أو عدم الوعى كتلك المرتبطة بالحمل والانجاب والزواج المبكر والعنف والعادات الضارة التى تستهدف الجسد الأنثوى بالأساس. أما الرجال فقد يكونوا عرضة لأمراض أو إصابات مهنية نتيجة العمل فى ظروف تغيب عنها قواعد السلامة المهنية. وفى كتابها “الجسد الأنثوى وهوية الجندر”، تشير الباحثة المغربية خلود السباعى إلى العلاقة الوطيدة ما بين أسباب أمراض النساء ووفياتهن فى مجتمعات العالم الثالث، فثمة أسباب جندرية واضحة للمرض بسبب الفقر وسوء المعاملة وغياب فرص التعليم والتأهيل. وهذه الفجوة المرضية بين الرجال والنساء تخف حدتها فى بلدان العالم الأول، حيث أصبحت أسباب مرض النساء ووفاتهن تميل أكثر فاكثر إلى التشابه مع أسباب مرض الرجال ووفاتهم، الشئ الذى لم يمنع استمرارية انفراد النساء بالإصابة بأمراض معينة، نتيجة ما طرأ على حياتهن فى ظل الحداثة المعاصرة من تحولات، من بينها ارتفاع نسبة حالات الإجهاض المتكرر والعقم والحمل غير المكتمل بالإضافة إلى الإصابة بالسرطان بشكل لافت.
وإذا كان تقليل الفجوة المرضية بين الرجال والنساء يرتبط بتحسن الأوضاع الاجتماعية وتوفير الخدمات الصحية فضلا عن الوعى بالحقوق والتمتع بها، إلا أن المجتمعات الحديثة لها مشكلاتها وخاصة فى ارتباطها بثقافات استهلاكية وتلوث بيئى غير مسبوق. وهكذا اتسعت دائرة المؤثرات على أجساد النساء والرجال على حد السواء. ومع ذلك، يمكن القول أن الجسد الأنثوى مايزال المستهدف الأول للكثير من العادات والمنتجات الاستهلاكية الحديثة خاصة تلك المتعلقة بالتجميل. ففى حين ارتبط التجميل فى المجتمعات التقليدية ببعض الممارسات الضارة إلا أن معظمه كان يرتكز على فكرة النظافة وغالبا ما كان يتم استخدام مواد طبيعية. أما التجميل فى المجتمعات الحديثة والذى أصبح صناعة رائجة فقد جعل من الجسد الأنثوى سطحا للتلوين والتشكيل باستخدام العديد من المواد الكيمائية الضارة بالصحة، الأمر الذى أصبح يشكل ضغطا هائلا على الجسد الأنثوى، وخاصة أجساد النساء الفقيرات ممن يستخدمن موادا أقل جودة وأكثر خطورة.
يضاف إلى ذلك، أن أحد أهم مشكلات المرض الأنثوى يتمثل فى التعبير عن المرض، فنتيجة الفقر فإن الكثير من النساء قد يعبرن عن إحساسهن بالمرض بالشكوى، ولكن ليس بالضرورة طلبا لعلاجات قد لا تتوافر، وبالتالى فمنهن من يفضلن بعض الطرق أو الوصفات التقليدية. وفى كثير من الأحيان أيضا، بسبب غياب الوعى أو بسبب الحساسيات الثقافية، يتجاهل النساء وجود المرض أو لا يعبرن عنه إلا فى حالات متأخرة وخاصة عندما يرتبط المرض بالألم، أو بتداعيات خطيرة. فالإحساس بالمرض والتعبير عنه يخضع لشروط ثقافية واجتماعية.
وباختصار فإن المرض الأنثوى له خصوصيته التى لا يمكن فهمها إلا من خلال فهم السياقات الاجتماعية والثقافية. وربما يكون السؤال المهم فى هذا السياق هو: إلى أى حد ترتكز السياسات الصحية على منظور النوع الاجتماعى؟ وهل يتم تأهيل الأطباء والطبيبات ليكونوا أو يكن على وعى بمنظور النوع الاجتماعى؟ ونترك الإجابة على مثل هذه التساؤلات لأهل الاختصاص.