عندما نفكر فى الكلمات أو العبارات سيئة السمعية، فربما نصل لنتيجة مفادها أنها أكثر بكثير من الكلمات حسن السمعة، وقد نصل لنتيجة أخرى وهى عدم وجود كلمات ذات سمعة حسنة لأن المتوفر منها إما أن يكون أمرًا طبيعيا. والمقصود بالكلمات سيئة السمعة ليست تلك التى تعبر أوصاف أو قيم سلبية، وإنما تلك الكلمات التى يجرى إسقاط أوصاف سلبية أو سيئة عليها فى سياق ثقافى أو سياسى أو تاريخى معين. ومعظم هذه الكلمات يتم محاصرتها بدلالات سلبية لأسباب سياسية، بمعنى أنها تصبح سلبية عندما تدخل دائرة الصراع السياسى أو الاجتماعى. وما يهم فى هذا السياق ليس جرد هذه الكلمات وإنما إلقاء الضوء على آليات تشكيل السمعة السيئة للكلمات والعبارات من خلال بعض الأمثلة.
إن عملية حصار الكلمات وحقنها بالدلالات السلبية فى سياق النزاعات السياسية تتم بعدة طرق: أولا: الترهيب، بمعنى أن الكلمة تصبح مثيرة للخوف ومحاطة بالمخاطر، وأشهر هذه الكلمات هى كلمة “السياسة“ ذاتها، فنجد عبارات مثل “ماليش دعوة بالسياسة” من الكلمات الرائجة التى يسعى من خلها الأشخاص إبعاد ما قد ينجم عنها من مخاطر؛ وتختلف احدة التخويف من السياسة من وقت لآخر، أو تبعا لطبيعة الانتماء السياسى، فثمة اتجاهات يشكل الإنتماء إليها خطرا، وبالتالى فإن السمعة السيئة لكلمة سياسة تختلف من سياق لآخر، حسب طبيعة السلطة والنزاعات السياسية. ثانيا: أما العملية الآخرى، فهى التكفير: وفيها يكون الدين هو الأداة الرئيسة لمحاصرة الكلمة، وإسقاط المشروعية عمن يدافعون عنها أو يروجون لها، والمثال الأبرز على ذلك هو كلمات مثل “شيوعى” و “علمانى”، فهذه الكلمات تم محاصرتها من خلال ربطها بالإلحاد والكفر والخروج على القواعد الدينية والأخلاقية المتعارف عليها. وتكشف مثل هذه الكلمات عن التحالف السياسى الدينى لمحاصرة بعض الكلمات وجعلها سيئة السمعة فى الوعى العام. ثالثا: التنميط، حيث تتحول بعض الكلمات أو العبارات للإشارة إلى صور نمطية، وقد تم استخدام كلمة “ثقافة” “ومثقفين” لخلق صور نمطية عن جماعات منفصلة عن الواقع المعاش وتعيش فى عالمها الخاص.
وبالطريقة ذاتها يتم ملاحقة كلمات أخرى ومحاصرتها ومن أهمها كلمات مثل “المجتمع المدنى”، و“حقوق الإنسان”، و”النشطاء”. ومعظم هذه الكلمات شهدت صعودا وهبوطا واستخدامات متعددة للاستفادة منها فى لحظات وسياقات معينة، وتشويهها والحط من قيمتها فى سياقات أخرى. فعند مخاطبة المجتمع الدولى يجرى الاحتفاء بها والحديث عنها، أما فى الخطابات المحلية فتبدو وبشكل متزايد من الكلمات سيئة السمعة. وإذا كانت كلمة “المجتمع المدنى”، هى الأقل تعرضا للتشويه، إلا أنها كانت دائما موضع شكوك باعتبارها كلمة وافدة وتعكس أحد أدوات العولمة للنيل من “الدولة الوطنية”. أما كلمة حقوق الإنسان فقد واجهت تحالفا قويا بين السياسى والدينى، ليس فقط من خلال ربطها بالعمالة للخارج والتمويل الأجنبى وما شابه، ولكن أيضا من خلال اتهامات متواصلة بأنها أحد أدوات تدمير قيمنا المحلية، وتفكيك “ثوابت الأمة”، وخاصة عندما يتعلق الأمر بحقوق المرأة أو الحقوق الشخصية أو حريات الفكر والاعتقاد. أما كلمة “نشطاء” فهى الكلمة التى شهدت قبولا احتفاليا قبل أن تتحول فى فترة زمنية وجيزة لكلمة “سيئة السمعة”، تشير لمجموعات هائمة فى الإعلام والشوارع ومهمتها الوحيد هى إثارة القلاقل.
وقد يرى البعض أن المجموعات التى تعبر عنها هذه الكلمات تعد شريكا فى خلق السمعة السيئة من خلال بعض الممارسات الخارجة عن القواعد والمألوف. وهذا قد يكون صحيحا فى أحد جوانبه، فثمة ممارسات سيئة وغير مقبولة على كل المستويات ومن قبل كل الأطراف، ولكن الحقيقة أن السمعة السيئة المقصودة فى هذا السياق لا تتعلق بالممارسات، ولكن بجوهر الفكرة ومضمونها. إن محاصرة كلمة “حقوق الإنسان”، على سبيل المثال، لا ينطلق من تقييم موضوعى لممارسات المدافعين عن هذه الفكرة، بل من للنيل من الفكرة ذاتها، والحجر عليها، وبالتالى عزلها وكأنها مرض ينبغى الوقاية منه ومكافحته.