تعتبر صورة البروفايل من المكونات الأساسية فى وسائل التواصل الاجتماعى، وخاصة “الفيس بوك”، وكما تشير مواقع متعددة فإن فكرة الفيسبوك جاءت من تقليد أمريكى فى المدارس العليا حيث يتم إصدار كتاب سنوى Year book يتضمن صور الطلاب حتى يتذكرون بعضهم بعد التخرج. وبالتالى، فإن الصورة، وصورة الوجه بشكل خاص، هى محور الفكرة وركيزتها. ولكن مع ظهور الفيسبوك تجاوزت صور البروفايل مهمة الحفاظ على الذاكرة، وخرجت من دائرة المجتمع المحدود، حيث أصبحت علامة متحركة ومتغيرة من أجل التواصل فى مساحات غير محدودة وغير مادية. إنها صورة البروفايل واسعة الانتشار والتى يحرص الأشخاص على اختيارها بعناية حتى تكون عنوان هويتهم فى العالم الافتراضى.
وقد تبدو صورة البروفايل وكأنها مجرد أداة تعريف بالشخص فى وسائل التواصل الاجتماعى، كما هو الحال بالنسبة لبطاقات الهوية أو جوازات السفر او كارنيهات النوادى، ولكن هذا أحد وظائفها والتى ليس لها أهمية بالنسبة لكثيرين يحجمون عن إظهار الصور الشخصية لأسباب ثقافية أو اجتماعية. ولذا فمن الأوقع وصف صورة البروفايل بإنها ذات طبيعة تعبيرية لها استخدامات تتجاوز حدود التعريف بالشخص. فهى تعبير عن هوية أو موقف أو حالة مزاجية أو عن لاشئ. فنجد مثلا أشكالا متعددة منها توظيف صورة البروفايل من أجل إعلان التضامن مع آخرين أو مع قضية ما، وقد يتم استخدامها للتعبير عن الحزن أو السعادة أو الحالة المزاجية التى يمر بها الشخص، أو للاحتفال بمناسبة ما، وقد تكون مجرد أداة للتنكر وإخفاء هوية الشخص. المهم أنها اداة متعددة الاستخدامات ومن المرونة بحيث يمكن استخدامها وتغييرها حسب رغبة صاحبها.
وبهذا المعنى فإن صورة البروفايل أكثر تحررا من الصورة الحقيقية والمادية للشخص. وبقدر ما هى حرة ومتحررة، فإنها أيضا مراوغة وخادعة، فهى ليست مجرد صورة ولكنها أيضا رسالة وقناع: رسالة رمزية بالمعنى الخاص أو العام، وقناع للتنكر والمناورة ليس فقط من أجل إخفاء هويتنا، ولكن من أجل تحديد الإطار الذى نريد أن يرانا الآخرون من خلاله. وبكلمات أدق إنها تحرر الشخص من جمود وثبات صورته الواقعية، بعد أن بات فى مقدوره الظهور بالشكل الذى يريده، كأن يكون أكثر جاذبية أو أكثر سعادة أو حزنا. كما أنه فى مقدور الشخص أن يتنقل بين صوره فى الماضى والحاضر وربما المستقبل بمنتهى السلاسة واليسر، إن الصورة تعطينا فرصة تاريخية لأن نكون كائنات غير مادية، تمتلك القدرة على تثبيت أو تغيير اللحظة التى نريد أن نكون عليها.
وترتبط دور صورة البروفايل فى صناعة هوية الشخص بشكل فعلى أو مفتعل بكونها وسيلة للتفاعل والتواصل. ولعل أبرز صور التفاعل تتمثل فى أنها العنصر الأكثر استخداما لق
وسواء على المستوى الشخصى أو السياسى، فثمة فجوة بين صورة البروفايل فى العالم الافتراضى، بما تعنيه من ملامح ومواقف، وبين الصورة أو الحالة الواقعية للشخص. إن حريةالتحول والتبدل والإظهار والإخفاء التى تتسم بها الصورة الافتراضية، ليست كذلك بالنسبة للصورة الواقعية. والأمر لا يقف عند حدود اختلاف الملامح والمواقف، ولكن يتعلق بالقدرة أو عدم القدرة على المناورة والإظهار والإخفاء. وهنا تحديدا تكون صورة البروفايل أحد أشكال الإنفصام الذى أصاب البشر فى عالمنا المعاصر.