كان أجدادنا الأقباط الأوائل أشد حرصاً على إتمام قدسية سر الزواج، رغم الاضطهادات التى كانت تواجه الكنيسة. فمن خلال كتابات المؤرخين يذكر “إدوارد وليم لاين” فى كتابه عن عوائد سكان مصر الحديثة عام 1835م:
أنه فى يوم السبت بعد غروب الشمس بساعة أو اثنتين، كانت تُزف العروس من منزل أسرتها إلى منزل العريس، وتسير هى خلف أسرتها ورفيقاتها اللاتى يحملن المشاعل والشموع، ووراءهن تُغزف أعذب الألحان، حتى يصلوا جميعاً إلى منزل العريس، وعند عتبة البيت تذبح شاة، حتى تخطو العروس فوق دم الشاة، بعدها يمكث أهل العروس عند منزل العريس نحو ساعتين، يتناولون أثناءها المشروبات ويتبادلون الحديث، ثم يعودون بنفس الزفة التى جاءوا بها إلى البيت، نحو الكنيسة، بعدها يتعقبهم العريس وأهله إلى الكنيسة، وهناك تُتلى التسابيح ويتناول العروسان الأسرار الإلهية، ويضع القسيس خاتماً فى أيديهم وإكليلاً من الذهب على رأسيهما، وكانت طقوس الاحتفال والتراتيل والألحان تستمر حتى مطلع الفجر.. حسب ما قال لين.
أما بوتلر فذكر فى كتابه الذى خصصه عن الكنائس القبطية القديمة بمصر عام 1884م، أن العروسين كانا يأتيان واحداً تلو الآخر، حتى عندما يصل العريس إلى الباب يقابله الشمامسة حاملين مشاعل ونواقيس ويرتل الكهنة “مبارك الآتى باسم الرب”، وعند مجىء العروس يقابلونها بترتيلة حواء ومريم.
وعند بدء مراسيم الزفاف يرتدى الكهنة ملابس بيضاء والعريس برنس من الحرير الأبيض يصل حتى قدميه، ويتمنطق بحزام فى وسطه، والكاهن المعنى بمباشرة طقوس العقد كان يضع خاتماً فى يده اليمنى، ويتلو عليه الصلوات وترتيل المزامير وقراءة الإنجيل باللغتين القبطية والعربية، ثم يعطيه إلى العريس ويطلب منه إعطاءه لعروسته، فإذا قبلته تكون بذلك رضيت أن تصير زوجة له، وعندئذ يضع الكاهن أيديهم فى أيدى بعض ويتجهان معاً نحو باب الهيكل، لتقف العروس إلى يمين العريس، ويغطيهما القسيس بوشاح من حرير أبيض رمز على الارتباط النقى المقدس ثم تتلى الصلوات وتقرأ بعض فصول الإنجيل، ويدهن القسيس العروسان بزيت ويضع الأكاليل على رأسهما ويباركهما، وتختتم الصلاة بزفة العروسين فى الكنيسة.
وفى قاموس اللغة الفرنسية “لاروس”، يأتى تحت كلمة زواج عند الأقباط نفس الطقس الذى ورد عند بوتلر ولكنه أضاف أنه كان بجانب الإنجيل عند المذبح يوضع ثوب جديد وحزام وصليب وخاتم وبخور، ويبارك القسيس الملابس المُعدة للعريس ويمنطقه بحزام ويضع فى يده خاتماً، ويتوجهان إلى المكان المُعد للسيدات، ويتناول العريس الخاتم والتاج من القسيس ويعطيه لعروسته، ثم يرجعان إلى المكان المُعد لتوقيع العقد.
واختلفت المصادر حول المكان الذى كان يتم فيه عقد الزواج، ففى القرون الأولى للمسيحية أيام الاضطهادات ظهرت “محلات” وهى عبارة عن دور مخصصة للعبادة ذكرتها “بوتشر” فى كتاب تاريخ الكنيسة القبطية الذى كُتب عام 1897، وقام بترجمته إلى العربية تادرس بك المنقبادى، وتلك المحلات كانت تُقام فيها الصلوات ومراسم الزواج فى الخفاء.
وبعد انتهاء الاضطهادات المباشرة أبطل العمل بها، حتى أن بطريرك الروم أصدر منشوراً عام 1926 يقضى للمتزوجين أن يكونوا متُعمدين فى الكنائس لا فى المنازل، وفضلاً عن الكنائس العمومية التى كان المسيحيون يصلون بها أنشأ الملوك والأمراء معابد – يقصد بها الكنائس واستخدم هذا اللفظ غير الدقيق نتيجة لتأثر الأقباط بالموروث الثقافى من أجدادهم الفراعنة- ففى القرن 13 أنشأ معبد قصر بوربون ومعبد كلونى، وفى القرون الوسطى أنشئت المعابد الخصوصية بالمستشفيات.
وتعد من أقدم قاعات العرس، قاعة العرسان التى كانت موجودة بكنيسة مارجرجس بمصر القديمة عام 717 للمسيح إلا أن النيران التهمتها عام 1857، وقد وصفها المؤرخون أنها كانت مستطيلة ذات درقاعة سماوية وقبة، وكانت تُقام بها طقوس الزواج، وسجلتها لجنة حفظ الآثار القديمة سنة 1897.
وهكذا ظلت مراسيم الزواج تتم بدقة، وكلا العروسين متأهبان للدخول فى شركة حية لا انفصال فيها ولا خُلع ولا طلاق.
غير أنه فى عام 1917 وصف “رزق ميخائيل” فى محاضرة بجمعية الشبان المسيحيين عن احتفال الزواج الذى كان يتم آنذاك: أن القسيس كان يرتدى ملابس سوداء وفى رجليه نعلان!!! وهذا الأمر مخالف للطقوس المسيحية الأولى،-هكذا يقول- فالتعاليم الآبائية توصى أن ثياب القسيس لابد وأن تكون بيضاء (قوانين القديس باسيليوس الكبير) أما حالة الشعب فكان يرثى لها، الرجال يلبس كل منهما طربوشاً وفى أيديهم عصا أو جرنال، والسيدات تثرثرن فى الكنيسة ثرثرة لا يكاد يسمع من خلالها صوت المصلين، وهن مكشوفات الرأس. وكأن الحفل حفل سمر وطرب أو حفل تمثيل رواية.