في اليوم الثامن والعشرين من شهر يوليو الماضي، شهدت منطقة الأزبكية وجود حشد كبير وتجمهر من كل الأنحاء في مشهد يضم أصوات البكاء والحزن والمصاحب للألحان والترانيم ليتساءل المارين عن سبب هذا التجمهر ومن صاحب هذا الوداع المحب؟! ليكون الرد إنه يوم سيتذكره التاريخ القبطي لصعود ملاك الكنيسة المرقسية الكبرى إلى السماء، هو صاحب الصوت الملائكي العذب والنفس والقلب الطاهر، المتواضع، المحب للألحان الذي سعى لانتشارها على مستوى الشباب والمحافظات.. أبونا بطرس وليم
النشأة والميلاد
ولدَّ مجدي وليم (القس بطرس) في الخامس من شهر أغسطس عام ١٩٦٨ من عائلة كهنوتية مشهود لها بالتربية الكنسية والأخلاق الفاضلة، وكان هو وشقيقه عادل وشقيقته ماري مثالًا حيًا للتربية والأخلاق والخدمة الأمينة، فابن عم والدهم هو المتنيح القس اسطفانوس رزق وابن خالة والدته القس يوحنا يعقوب وابن عمه القس نحميا إسحق وابن عمة والده القس اسطفانوس سامي.
التحق مجدي بمدرسة دي لاسال الفرير، وكان مشهودًا له من الجميع بتفوقه وسلوكه الحسن وإجادته للعديد من اللغات في سن صغير، فحصل على العديد من الميداليات والشهادات التقديرية، ولم يكن هذا التميز جديدًا على مسمع والديه إذ أن البابا كيرلس السادس أثناء معموديته، قال لوالديه بأنه سيكون له مجد وشأن هام في الكنيسة.
وبعد مرحلة المدرسة التحق بكلية تجارة جامعة القاهرة وعمل بعد التخرج في شركة هيرمس للسياحة، وسرعان بسبب جديته في العمل عين مديرًا للشركة لمدة تسع سنوات سافر خلالهما العديد من الدول، وخلال عمله قام بتنظيم بطولة العالم للتصوير تحت الماء في سفاجا سنة ٢٠٠٠، بمشاركة ٤٠ دولة.
وكرمه الاتحاد العالمي للغطس، وفي كل دولة زارها كان في أوقات فراغه بالصفوف الأولى في أوقات التسبحة والألحان .
*الكنيسة المرقسية وخدمته والكهنوت
كان مجدي وليم من أوائل المتخرجين الذين خدموا بجد واجتهاد المرحلة الابتدائية والثانوية ومرحلة الشباب، فعلى الرغم من خدمته المكبرة إلا أن الجميع كان يرى فيه الأب والصديق والخادم المحب وتزوج من خادمة فاضلة ميس (دينا فرج) من بنات الكنيسة المرقسية بالأزبكية، وهي شقيقة القس يوحنا فرج كاهن كنيسة العذراء بالتجمع، فشكلت ميس دينا مع أبونا بطرس ثنائيا مثالياً للخدمة، شهد له الجميع بالخدمة ومساندة المحتاجين وتعزية الحزانى وله ابنان يسيران على نهج والديهم في الاهتمام بالألحان والخدمة الكنسية، الأستاذ فيلوباتير والأستاذ انجيلوس، ورسم مجدي كاهنا في ٣ يونيه ٢٠٠١ بيد المتنيح قداسة البابا شنودة الثالث، بعد توصيات واستفتاءات لأبناء الكنيسة، سيم باسم بطرس وبعد رسامته درس في الكلية الاكليريكية وتخرج فيها فى ٢٠٠٣ وتميز أبونا بطرس وليم بأنه كان دائم الشغف بالعلم والدراسة فحصل على درجة الدبلومة في الرعاية والتربية عام ٢٠٠٥ وحصل على دبلومة الدراسات العليا قسم اللاهوت عام ٢٠٠٨ وبسبب إجادته للعديد من اللغات تم انتدابه للكثير من الدول للخدمة والافتقاد طوال مدة خدمته الكهنوتية، فانتدب إلى فرنسا في عامي ٢٠١٣-٢٠١٧ في عيدي الميلاد والقيامة للخدمة والصلاة، وفي عامي ٢٠١٨-٢٠١٩ بليبريفيل بالجابون بأفريقيا في عيد القيامة بكنيسة العذراء ومارمرقس.
كما انتدب سنة كاملة من أكتوبر ٢٠١٣ إلى سبتمبر ٢٠١٤ بكنيسة الملاك ميخائيل ومارجرجس بباريس-فرنسا.
*أعماله المحفورة في التاريخ
**كان أبونا بطرس وليم مهتمًا باللقاءات المجمعة بين طوائف الكنائس الأرثوذكسية حتى أنه عند نياحته أقامت له الكنيسة السريانية الترحيم في سوريا.
** سعى من خلال لقاءاته المتعددة بممثلي الكنائس إلى إحضار جزء من جسد القديس مارمرقس من قبرص إلى الكاتدرائية القديمة بكلوت بك.
** كان مديرًا لمركز مارمرقس للدراسات الليتورجيا بوسط القاهرة.
** كان مشرفًا على مركز ( اسمو إفنوتي) للألحان واللغة القبطية بوسط القاهرة.
** كان مسئولًا عن لجنة الألحان واللغة القبطية بأسقفية الشباب.
** كان أستاذ مادة ليتورجيا الافخارستيا بمعهد الرعاية.
** كان مسئولًا عن كورس الطقوس بأسقفية الشباب، كما تتلمذ على يديه في الألحان واللغة القبطية مجموعة من الشباب تخرج منهم ثلاثة كهنة، هم: القس داود ملاك- القس يوحنا فرج- القس بيشوي نبيه بأستراليا.
*رحيله إلى المجد
رحل القمص بطرس وليم عن عالمنا الأرضي يوم ٢٨-٧-٢٠٢١ في التذكار الشهري للعذراء مريم بعد رحلة مرض تقبلها بكل شكر وإيمان ليكون درس للجميع في تحمل التجربة بحب وشكر وإيمان، وقال عنه الملحق الدبلوماسي يوسف صابر: (لم يكن أبونا بطرس يحتاج لأكثر من لقاء حتى يشعرك بأنك تعرفه منذ وقت بعيد، لم يكن محتاجًا لأكثر من حديث واحد حتى يلمس أعماق قلب محدثه، لم يكن أبدًا كغيره في الحديث، في السلام، في الصلاة، في الذوقيات، وفي محبته الهادئة، عرفته عن قرب في فرنسا، لم يكن محتاجًا إلا لمكان يجمعه بك حتى تشعر بدفء الوطن كما اعتدت عليه، لم يكن محتاجًا لأي مجهود يذكر حتى يؤثر، لم يكن محتاجًا حتى إلى مزيد من الوقت حتى يتمم رسالته ويحمل صليبه حتى النهاية، نياحة لروحك أبي الغالي..).
وقال عنه الأنبا رفائيل الأسقف العام لكنائس وسط القاهرة :”صعب جدًا أن نودع أب روحاني فاضل خادم أمين ملأ الكنيسة بالتعليم والتسبيح والرعاية والخدمة، أبونا بطرس منذ طفولته تربى في هذه الكنيسة كان شماسًا ومحبوبًا من الجميع، مما أهله للترشيح للكهنوت منذ نحو عشرون عامًا على مدارهم خدم بأمانة متناهية النظير – لم أر مثلها- لم يكن محدودًا في خدمته داخل أسوار الكنيسة فحسب، بل كان له نشاط في كل مكان وخدم كثيرًا في أسقفية الشباب مع لجنة الألحان، وفي شتى الكورسات والمؤتمرات الخاصة بالألحان في وداعة ومجد وابتسامة واحتضان ورعاية، ترك لمسات عميقة لا تنسى فى أعماق كل إنسان تعامل معاه”.
وكتب عنه ابنه الأستاذ انجيلوس :”كنت عظيمًا يا أبي دون تكبر، دون إظهار للذات، بدون تفاخر، وستظل عظيمًا في قلبي طوال حياتي، كنت حمولا إلى أقصى درجات التحمل، كنت تتمثل بكلام الله في كل خطواتك وقراراتك، كنت تخاف الرب لأنك كنت أمينًا في أقل أقل الأشياء، كنت من القليلين الذين كانوا مهتمين بهفاوتهم، و لذلك كنت قليل الخطأ يا أبي، حريص و متحفظ على كل كلمة تقولها، كل فعل، كل فكر كان مشهودًا لك بالحكمة والفهم، كنت قارئًا و مفكرًا بارعًا، صوتك عزب ذو إحساس رائع، كنت جديرًا بالثقة بين الناس خارج و داخل الكنيسة، فريدًا ومتميزًا، ناجحًا طوال أيام حياتك لأن الرب لم يفارق قلبك”.