ترجع جذور السنة التوتية للإنسان المصرى القديم الذى استطاع بعد مجهود وملاحظة بسيطة رصد الشهور بظهور وإختفاء القمر وبقي الشهر هو أكبر مقياس للزمن لدى المجتمعات القديمة، وكان العمر الذى يحياه الإنسان القديم يقدر بعدد الشهور “السنين” التى عاشها، ثم بعدها توصلوا لمقياس الزمن بالسنة الفيضانية، أى أنهم كانوا يحسبون الأعمار والمناسبات وسنوات حكم الملوك بما مر عليهم من فيضانات.
وكان المقياس الفيضانى فى شكله الأول مقياساً تقريبياً، بسبب عدم دقة زمن وصول وانتظام الفيضان، فضلاً عن إحتمالية عدم وصوله من الأصل، ففى بعض السنوات لا يحدث الفيضان، مما يعرف بسنوات الجفاف، ثم تخصص فريق من المصريين فى “أون” وغيرها من المدن المصرية فى متابعة الفيضان، وكانت هذه هى المقدمة الحقيقية للإكتشاف، حيث توصل المصريون بالملاحظة المتأنية الطويلة لرصد توافق ظهور النجم “سبدت” مع شروق الشمس وقت الفيضان، ومن هنا أخترع المصرى القديم مقياساً أكبر غاية فى الدقة والانتظام إلى الآن، لأنه حسب عدد الأيام من لحظة ظهور النجم” سبدت” ومن هنا بدأ الحساب على أساس السنة وقسمت السنة إلى شهور متساوية العدد، وبدأ العمل بهذا التقويم تحديداً فى عصر الدولة التى أسسها الملك المعروف باسم العقرب سنة 4500 ق.م .
وأراد المصرى القديم أن يكون التقويم دقيقاً ومنتظماً، فجعل الشهر 30 يوماً بلا زيادة ولا نقصان، وترتب على ذلك بقاء عدد من الأيام خارج شهور السنة أطلق عليهم المصرى القديم اسم (أبد كوجي) وأيام هذا الشهر الصغير استغلت فى الأعياد وفى حفلات الزواج والمناسبات الإجتماعية وعالجوا هذا الموضوع فى بردية عرفت بأسم قصة” خلق السنة” وهى موجودة فى هرم أوناس فى سقارة.
أما عيد النيروز فيرجع إلى أواخر القرن الثالث حيث تولى “دقلديانوس” الإمبراطورية الرومانية، وعرف عهده بعصر اضطهاد الأقباط ووصل عدد الشهداء على يد جنوده إلى 840 ألف شهيد، وقام المصريون بتصفير السنين وجعلوا السنة القبطية تبدأ منذ السنة الأولى لحكم “دقلديانوس”، فأصبح عام 282 ميلاديا يوافق السنة الأولى القبطية، ثم عرف باسم “عيد النيروز” أو عيد الشهداء نسبة لشهداء الكنيسة في عصر “دقلديانوس”.
وكتب “جورج بوزنر” فى معجم الحضارة المصرية القديمة “لاشك فى أن ذلك التقويم هو الوحيد الذى عُمل بذكاء فى التاريخ البشرى كله”… و استفاد العالم كله من التقويم المصرى القديم فإستخدموه وعدلوا عليه حسب ظروف كل مجتمع ما بين تقاويم نجمية وشمسية وقمرية لينتج عدداً كبيراً من التقاويم.
الاحتفالات على مدار التاريخ
ذكر خبير الآثار الدكتور عبد الرحيم ريحان ” إنه من التقاليد الإنسانية التي سنها قدماء المصريين خلال أيام (النسئ) أن ينسى الناس الخلافات والضغائن والمنازعات وتقام مجالس الصلح بين العائلات المتخاصمة وتحل كثير من المشاكل بالصفح وتناسي الضغائن، ليبدأ عيد رأس السنة بالصفاء والإخاء والمودة بين الناس.
والدراسة الصادرة عن مركز الأقصر للدراسات والحوار والتنمية بصعيد مصر، والتى أعدها عالم المصريات، الدكتور محمد يحيى عويضة، والباحثة المصرية الدكتورة منى أبوهشيمة أوضحت أن مصر الفرعونية كانت تتحول إلى ساحة للمهرجانات والاحتفالات طول تلك الأيام، التي كانت تبدأ قبيل حلول العام الجديد، بخمسة أيام، وتنتهى بحلول ليلة رأس السنة الجديدة. وكانوا يأكلون البط البرى والأوز المشوي والسمك المجفف والفطائر المحشوة، والكعك بمختلف أنواعه، وكان النبيذ الطازج من أفضل الأطعمة والمشروبات التي كان يتناولها الفراعنة خلال احتفالاتهم برأس السنة وحلول العام الجديد
وكتب الباحث سامى حرك فى كتابه( الأعياد ) : الاحتفال الذى كان يقام بمناسبة العام الجديد كان يتصف بالمهابة والإجلال، إذ كان يبدأ فى مساء اليوم الأول من شهر توت أول شهور العام وكان يخرج فى هذا اليوم تمثال حتحور المحفوظ فى قدس اقداس المعبد، ليخرج للضياء فى ذلك اليوم الذى يمنحه الحياة لعام كامل .
وفى موكب مهيب يتقدمه الكهنة كانوا يحضرون تمثالا على هيئة طائر له رأس إمرأة مصنوع من الذهب يدعى ( باي ) ويتم وضع التمثال داخل ناووس زجاجى صغير، ثم يقوم ثمانية من الكهنة بحمله ويبدأ الموكب في السير ويتوقف فى أماكن محددة بالمعبد لوضع تيجان مختلفة رمزا للقوى المتعددة التى تتمتع بها حتحور وفى النهاية يقوم الكاهن الذى يرمز لفيضان النيل بقيادة هذا الموكب فيسكب أمامه أثناء سيره الماء المقدس ونقوش هذه المراسم كاملة موجودة فى معبد دندرة
وكتب جرجس فيلوثاؤس عوض فى مجلة رسالة الحياة عدد ١٩٣٦ أن عيد النيروز كان عيدًا شعبيًا يحتفل به المصريون على اختلاف أديانهم ومذاهبهم حيث كان المصريون يخرجون من بيوتهم إلى النهر بمواشيهم وأولادهم ويجلبون المياه إلى بيوتهم للتبرك مستقبلين هذا اليوم بوجوه مستبشرة بالخير متوسلين أن يكون عامهم الجديد كله فرح وسرور، وكانوا يأكلون فى هذا اليوم البلح والرمان والعنب.
وفى القرن الرابع الميلادى قام رهبان دير أبي مقار بالصلاة على لقان مياه يوم ٥ ابيب وطرحه فى النيل ليفيض غزيرًا .
وذكر المصدر نفسه بأن الخلفاء الفاطميون كانوا يهتمون بأمر النيروز لانه كان وقت وفاء النيل غير أن المحتفلين تجاوزوا الحد فى المرح وخرجوا عن الوقار فبطل الاحتفال به فى القرن الرابع عشر ايام السلطان برقوق.
واكملت مجلة التوفيق بقية الحدث فى عددها الذى صدر عام ١٩٣٨ حيث ذكرت أن تادرس بك شنودة المنقبادى هو من أعاد فكرة إحياء الاحتفال بعيد النيروز وذلك من خلال تأسيس جمعية حفظ التاريخ القبطى بأسيوط وإصداره نشرات بعنوان الهدية التوتية إلى جانب العديد من المقالات بالجرائد مثل جريدة مصر وغيرها …
متى أبطل العمل بالتاريخ التوتى؟!
كان التاريخ التوتى المصرى المعروف الآن بالتاريخ القبطى هو التاريخ العام المتداول بين طبقات المصريين شعباً وحكومة من أول أيام الفراعنة إلى أيام الخديوى إسماعيل حيث إنه التاريخ الوحيد المنطبق على جميع شئون مصر الزراعية والنيلية … وظل المصريون لا يعرفون إلا سواه، حتى عندما كثر نزوح الأجانب إلى مصر وكثر تعامل الحكومة معهم وثقل كاهل الدولة بالديون فى عهد الخديوى اسماعيل، وكان الأجانب وقتها يجهلون التقويم التوتى واسماء شهوره فإضطر الخديوى اسماعيل إلى استبدال التاريخ القبطى بالافكرنجى الميلادى … وكان الأخير مجهولاً لدى الجمهور المصرى فإضطر أن يرسل إلى جميع المحافظات والمديريات كشوفاً خاصة بأسماء الشهور الافرنكية ويطلب تعليمها إلى جميع الموظفين وأهالى البلاد وأنتدب مفتشين خصوصين للطواف على البلاد وذلك سنة 1591 قبطية الموافقة سنة 1875 م لإرشاد الجميع إلى معرفة أسماء الشهور الميلادية وعدد أيام كل شهر منها لإختلافها عن الشهور القبطية المتساوية جميعها فى كميتها العددية .
وبعد أن علم الاغلبية عن التاريخ الميلادى الجديد أصدر الخديوى اسماعيل مرسوم بوجوب أستعمال التاريخ الميلادى بدلاً من القبطى التوتى ليكون تاريخ الحكومة الرسمى إعتباراً من أول شهر توت سنة 1592 الموافق 11 سبتمبر سنة 1875 . وبذلك بطل استعمال التقويم التوتى فى جميع مصالح الحكومة منذ ذلك اليوم ولا يزال التقويم الميلادى مستعملاً إلى الآن .