يعد مصطلح “الصور النمطية” من المصطلحات الشائعة فى مجال العلوم الاجتماعية، وهو يعنى صور ذهنية عن شخص أو جماعة لا تستند إلى معرفة موضوعية أو حتى رغبة فى المعرفة، ولكنها ترتكز فقط على أحكام مسبقة وقوالب جاهزة نضع فيها هذا الشخص أو هذه الجماعة. وللصور النمطية سمات معينة، فهى، كما تقدمها موسوعة النظرية الثقافية، نظرة مفرطة فى التبسيط، بمعنى أنها لا ترتكز على أساس علمى، ولأنها كذلك فهى غالبا ما تكون مشبعة بالأحكام القيمية. وهذا أمر طبيعى، فمع تراجع التفكير العلمى والنظرة القائمة على الفهم والتحليل، ينتعش التفكير القائم على المسلمات الثقافية والاجتماعية والتى تسستولى على عقول الأفراد وتصنع نظرتهم للعالم والآخرين. أما السمة الثانية للصور النمطية، فتتمثل فى كونها جزء من التكوين الثقافى للأفراد. وغالبا ما تربط بالنزعات العنصرية والتمييزية لأسباب دينية أو عرقية أو جنسية أو اجتماعية طبقية.
إن عمليات التمايز عن الآخرين (واستغلالهم كذلك) ترتبط بالطريقة التى ننظر بها إليهم، ونصنعهم من خلالها كأشخاص أو جماعات أقل منا شأنا. فعندما يتم وضع النساء مثلا فى قولب ثقافية بوصفهن الكائنات الأضعف جسديا وذهنيا، فإن هذا الصور والقالب ليست سوى ترتيب ثقافى واجتماعى للعلاقات بين الجنسين وتبرير أفضلية الرجال على النساء، وبالتالى استبعاد النساء من مواقع معينة أو حتى تبرير العنف الممارس ضدهن. وبما أن النظرة للنساء، وخاصة فى مجتمعاتنا، مشبعة بالأخلاق بكل ما فيها من استقطابات تتعلق بالخير والشر، بالمشروع وغير المشروع، والطهارة والنجاسة، والطيبة والخبث، والقوة والضعف، فإن النساء عرضة لبانوراما من الصور النمطية التى جعلت منهن كائنات أدنى منزلة من الرجال. وقد تم تثبيت هذه الصور النمطية فى أقوال وأمثال شعبية وتأويلات دينية، بل وصل الأمر أحيانا إلى إضفاء الطابع العلمى على بعض الصور النمطية للنساء. ويمكن تطبيق هذه الآلية من التنميط والقولبة على العلاقات مع الآخر فيما يتعلق بالأديان أو الأعراق أو حتى الوضع الاجتماعى بين الطبقات الاجتماعية بمختلف مستوياتها.
ويرتبط مصطلح الصور النمطية بمصطلحات أخرى ذات صلة بالعلاقة بالآخر، مثل مصطلح الوصمة. وعلى ما يبدو أن الوصمة هى درجة قصوى من الصور النمطية، حيث تكثف الصورة السلبية وتلصقها بقوة بشخص أو جماعة. وتعرف موسوعة المصطلحات الثقافية الوصمة بأنها “صفة ذات ملمح ثقافى تستعمل لتمييز شخص أو تشويه سمعته. وقد تكون الوصمة بدنية (كالعاهة الجسدية)، أو سلوكية (كبعض التفضيلات الجنسية)، أو اجتماعية (بمعنى الانتساب إلى جماعة معينة). وتستخدم عملية تحديد الوصمة أو إثباتها فى اختزال هذا الشخص من كيان كلى مكتمل ومعقد التركيب إلى وصفة وحيدة ملوثة ومحتقرة، يبنى عليها كل أشكال التفاعل الاجتماعى مع هذا الشخص. ولنضرب مثالا على ذلك الوصمة المرتبطة بالأشخاص المصابين بمرض نقص المناعة (الإيدز)، فهؤلاء الأفراد كانوا ومازلوا ضحايا وصمة تتعلق بمرضهم وتؤدى إلى استبعادهم وعزلهم أخلاقيا ونفسيا وجسديا. وكان الإغريق يستخدمون مصطلح الوصمة تعبيرا عن علامة الوشم التى تدق على أفراد الجماعات المنبوذة. وكان من الشائع فى العديد من الثقافات والمجتمعات وشم أشخاص أو فئات بعلامات معينة للتمييز بينهم وبين الفئات الأرقى، فالوصمة كصورة ذهنية أو كعلامة جسدية تدل على هوية حقيرة ومتدنية. فقد كان قطع الأذن مثلا أحد أشكال العقاب ضد الأشخاص الذين يرتكبون جرما معينا، وهنا تأتى الوصمة الجسدية كعلامة وسجن لهذا الشخص ضمن فئة المجرمين، فلا يحق له بعد ذلك الانتماء إلى عالم الصالحين. ونذكر كذلك أنه كان محظورا على الجوارى فى المجتمعات العربية والاسلامية ارتداء الحجاب لأنه العلامة التى تميز بين الحرائر والإماء. ومازال وصف المرأة غير المحجبة بـ “المتبرجة” نوعا من الوصمة لما تحمله هذه الكلمة من معان أخلاقية سلبية.
إن مواجهة الصور النمطية ليس بالمسألة السهلة، لأنها، كما سبق أن قلنا، غالبا ما تكون متجذرة فى الوعى الفردى والجمعى، والأخطر أنها ليست مجرد صور يمكن إزاحتها ولكنها منهج تفكير يعتمد على القوالب الجاهزة ويعادى التفكير العلمى، والأخطر من ذلك أنه مع تدنى الثقافة، تصبح الصور النمطية والوصمة ذات مشروعية ثقافية واجتماعية وكأنها حقائق أو من طبائع الأمور.