يمر العام تلو العام وتأتينا الدراسة في شهر سبتمبر من كل عام…تحمل هموما جديدة لكل أسرة استنفذت ما لديها من مدخرات…أو لم يكن لديها من الأصل أية مدخرات…لكن عبر سبع سنوات مضت من عمر باب افتح قلبك لم تمر علي أيام مثل التي نحياها الآن…فالمعوزون لا حصر لهم…كلما أغلقت الهاتف دق مرارا ليعلن عن احتياج جديد…أو عن رب أسرة تصلبت في شرايينه إرادة البقاء وهو ينتظر محنة حلول العام الدراسي…فها هو عم جمال…ذلك الرجل الذي حدثني قائلا:مش هاقدر أتكلم في التليفون لازوم أشوفك…أجبته:تنور.
وجان عم جمال غطي الشيب لحيته وأحنت سنوات المرض والعوز قامته…مصطحبا ابنته التي حل أوان الستر في ربيعها…لتنتظر زيجتها في أكتوبر القادم…ماذا يفعل عم جمال مع أربعة أبناء في مراحل مختلفة من الدراسة وابنة علي وشك الزواج…أنصت له فقال:مش لاقي حد أروح له رحت الكنيسة بيدوني شنطة كل شهر وخمسين جنيه…بس تعمل إيه خمسين جنيه…أنا كنت صنايعي محترم لكن الزمن جار علي…جاتني ذبحة ورقدت في السرير…الدكتور منعني من المجهود…كنت باشتغل من وقت للتاني أرزقي علي باب الله…لكن الذبحة اتكررت وأصبحت جلطة…قعدت في البيت ومافيش أي دخل…أستني حد يحن علي وعلي أولادي…لكن أعمل إيه وبنتي علي وش جواز الكنيسة هاتدينا خمسة آلاف جنيه…أجيب بيهم إيه؟الأجهزة ولا أوضة النوم ولا التنجيد…كل حاجة غالية…ده غير العيال الصغيرين..المدارس هاتبتدي ومش عارف أصرف عليهم منين ولا قادر أجيب جزمة لعيل ولا شنطة ولا قادر أقول إني مش قادر.
لفت نظري كلام عم جمال عن أطفال صغار فسألته عن عمره…أجابني أنه يبلغ 53 عاما..أصابتني صدمة فهيئته تبدو وكأنه جاوز الخامسة والستين…يالها من حياة تقفز آلامها فوق المنطق والمعقول…لملم عم جمال شكواه ورحل في انتظار الرد عليه قبل منتصف الشهر الحالي.
لم يصل عم جمال إلي حافة سلم الجريدة حتي وجدت زائرا بلا موعد…إنها امرأة كانت قد زارت الباب منذ سنوات لتمنح المحتاجين عشورها رغم بساطته…جاءت حزينة تطلب إخلاء الغرفة للتحدث…وفوجئت أنها في مأزق مادي شديد…وبعدما كانت تمد يديها بالعطاء دارت الأيام لتمزق ما لديها من عزة نفس حتي تطلب لولدها مساعدة…ولدها في الثانوية العامة ويالها من مرحلة مفزعة…حلقة من الرعب تصيب البيوت المصرية وكابوس لا ينتهي.
قالت السيدة:أنا مش لاقية كلام أقوله بعد ما كنت باجي أساعد جاية النهارده آخد من حق الغلابة…حلم العمر ابني يكمل تعليمه…الدروس بدأت من الشهر اللي فات وأنا مش قادرة ألاحق وجوزي متوفي ولنا معاش لكنه مستحيل يغطي الدروس…والمدرسة مافيهاش تعليم…الولد اللي حرمت نفسي من كل شئ علشانه مستقبله هايضيع ومش عارفة أعمل إيه.
بكت السيدة وكأنها تودع زوجها لمدفنه رغم رحيله منذ خمسة أعوام…أبلغتها أننا سندرس الحالة ونتصل بها…ثم دق الهاتف قبل أن تغادر الحجرة ليطلب أحد المترددين علي الباب ذاته المساعدة…إنه شاب في الثانوية العامة…يساعده بابافتح قلبك منذ رحيل والدته عن عالمنا قبل ثلاثة أعوام تقريبا….كانت تعاني من سرطان الثدي وظلت تقاوم من أجل البقاء لأجله…فهو يتيم الأب وفقد أخاه الأكبر-رئيس نيابة- الذي مات محسورا علي حاله بعد تلفيق قضية رشوة له فانهزمت الحياة في قلبه ورحل تاركا طفليه وديعة في عنق أمه المريضة…ورحل من بعده والده الذي لم يحتمل فراقه…ثم قاومت والدته ولم تقو علي الاستمرار فلحقت بهم حيث الراحة…وتركت ابنها الصغير الذي تعهد بابفتح قلبك بالاهتمام به مهما كانت التكلفة…وحل موعد الوفاء بالوعد…هذا الشاب تحديدا لم أستطع أن أقولها له مثل غيرههانتصل بيك…لم يكن بالإمكان أن أخذله أو أؤجل الوفاء بالوعد الذي قطعناه أمام والدته قبل رحيلها…فأجبته بلاتردد:إحنا مستعدين ماتشيلش هم.
أغلقت الهاتف وشعرت بمرارة شديدة فأي تمييز ذاك الذي قد نفعله بلا قصد أو حتي بقصد والمحتاجين حبات عقد انفرط رباطها بحلول الدراسة…فلم تكن تلك هي القصص القليلة التي وردتنا مع بداية العام الدراسي ولكن أضعافها…كل في اتجاه…وخلف كل احتياج تقف مأساة وخبرة مؤلمة…وخلف كل طالب تقف أسرة قررت التخلي حتي عن القوت اليومي من أجل توفير الكتاب والقلم والدرس الخصوصي,ربما ينصفها الزمن علي يديه أن تلقي تعليما أفضل…وخلف كل يد تمتد لتتسول الإعانة نفس ممزقة وكرامة تعض قلب صاحبها ولا يستجيب فالضني أغلي…وخلف كل قصة مخرج عبقري لكنه قاس اسمه الفقر…نعم إنها عبقرية الفقر التي تنسج من آلام الناس أبدع الحكايات التي لايتمكن أمهر المؤلفين من نسجها.
أولئك الذين وضعتهم ظروف الحياة في محنة تتكرر مع حلول كل عام دراسي…لن نتخلي عنهم ولكن يبقي خيار الانحياز لسداد أعوازهم مرهونا بخزائن الحب المفتوحة في قلوب طالما بقيت عامرة بالعطاء…أما خيار التخلي فغير وارد…لأننا وإذ نعلم جيدا الطبيعة الحنونة لمن نخاطبهم…نعلم أيضا أن الله الذي يرفض خيار التخلي أنزل في قلوب أحبائه نعمة السند وقت الضيق.
إيد الحب
امتدت أيادي الحب بالمبالغ التالية:
25 جنيها صلاة من أجل شعب كنيسة السيدة العذراء مريم والأنبا أنطونيوس بمدينة بدر
1500 جنيه أوجينا من بنها
10000 جنيه من الراعي الصالح منه وإليه
400 جنيه علي روح المرحوم إبراهيم سعد
5000 جنيه بشفاعة الأنبا إبرآم
1000 جنيه طالبين شفاعة العذراء مريم بأسيوط
400 جنيه س. ف. ح بأسيوط
200 جنيه كاراس وجيه وجونير بأسيوط
100 جنيه من يدك وأعطيناك
1000 جنيه علي روح المرحوم صابر عازر روفائيل
600 جنيه علي روح المرحوم سمير رمزي
200 جنيه طالبين شفاعة العذراء والقديسين
4000 جنيه علي أرواح الموتي
5000 جنيه مايكل ألبرت بالإسكندرية