كنا فى الزمن الجميل، أى فى الستينيات وما بعدها بقليل من القرن الماضى، نحب أن نمشى فى وسط البلد، كان المشى فى هذه المنطقة، شارع فؤاد 26 يوليو وشارع عدلى وسليمان باشا وقصر النيل وعبد الخالق ثروت، كان نزهة حقيقية للشباب والشيوخ والسيدات أيضا، شوارع نظيفة فسيحة جميلة، محلات تجارية تعرض كل شئ تحتاجه، محلات كافتيريات للطعام والشراب، أخلاق الباعة محترمة والناس مبتسمة ضاحكة، كانت الناس راضية عن حياتها، متفائلة لديها أمل فى غد أفضل، الأمن مستتب لا أحد يتعرض لفتاة ترتدى المينى أو الميكروجيب، بل هى تسير بحريتها واحترام الجميع لها، أخلاق الناس كانت ملتزمة محافظة محترمة، لا تسمع كلمة خادشة للحياء أو معيبة، الكل يحترم نفسه ويحترم الآخر، مع أنه كانت توجد “بارات وخمارات” رسمية يشرب فيها الناس الخمر، لكنك لا تجد سكرانا خارجا عن القانون، من هنا نقول أن هذا كان زمنا جميلا، اذا قسناه بالشوارع الآن، وبخاصة شوارع وسط البلد الآن، الأخلاق تغيرت فعلا، والمفروض أن تتغير للأفضل وتتقدم، لكن الحقيقة المرة أننا تقدمنا للخلف وبدلا من أن تكون أخلاقنا أحسن وانسانيتنا أفضل، أصبحنا كالخارجين من الكهوف، معاملات خشنة مع بعضنا، عصبية لمجرد حدث بسيط، ألفاظا فجة قليلة الأدب حتى من البنات تجعلك تتعجب وتندهش، وربما يصيبك مرض عصبى أو نفسى، ماذا جرى لنا ونحن شعب نعرف الأخلاق والاحترام، بل نحن الذين علمنا العالم كله الأخلاق منذ آلاف السنين.
المسألة أو المشكلة حقيقة تحتاج إلى دراسة موضوعية من المتخصصين فى التربية والأخلاق، وفى الجامعة والاعلام ورجال الدين، وغيرهم، لابد أن ندرس ماذا حدث للمصريين؟ وكيف يمكن أن نستعيد تاريخنا المجيد وأخلاقنا الحميدة وحياتنا الحلوة؟!
المهم أن كاتب هذه السطور يحب،حتى الآن أن يمشى فى وسط البلد، ويستدعى ذكريات الشباب والزمن الجميل.
منذ أكثر من شهر وبعض شوارع وسط البلد تعانى من عمليات جراحية فى أرصفتها، أدت بالمحليات المسئولة عنها إلى قلب وتجريف أرصفتها الجميلة وتحويلها الى تراب وزلط ورمل، وأنت لا تستطيع أن تمشى على هذه الأرصفة، وبخاصة شارع قصر النيل الهادى الجميل، الذى تشغله محلات البيع المختلفة والبنوك وغيرها، اذا مشيت على الرصيف فربما تقع على الأرض لكثرة المطبات، غير الأتربة والأوساخ التى ستهبط عليك من أسفل إلى أعلى وتغرق سيادتك، وتشعر أن الحمام الجميل المنعش الدافى الذى أخذته ضاع سدى وراح بلاش مع كمية التراب فى شارع قصر النيل الجميل المتوقف عن العمل، والمعطل إلى حين صدور أمر جديد ليعمل ويخدم الناس.
العجيب والغريب- ونحن بلد العجائب- أن تسمع من يقول لك: ان الرصيف سيتجدد!
وتسأل: لماذا يتجدد وهو سليم وجميل ولم يشتكى أحدا منه، بل هو عال العال.؟!
فيقولون لك: المحافظة عايزة كدة والمحليات رأت ذلك.
ويبدو “أن ريمة رجعت لعادتها القديمة”، أى أن المحليات الآن تفعل ما كانت تفعله محليات العصر الملكى للفساد قبل الثورتين المهمتين، كان الفساد فى الماضى يرصف كل الأرصفة أكثر من مرة كل عام حتى يسترزق العاملون فى المحافظة ويعملوا لهم قرشين ويبقى إعادة الرصف سبوبة للإرتزاق، أو أوفر تايم أو أى بند يعجب سيادتك.
قولوا لنا أيها السادة المسئولين عن المحليات، لماذا تجددون شارع قصر النيل وبعض شوارع وسط البلد وهى جميلة متينة لا تحتاج إلى رصف؟!
ثم لماذا تلعبون فى مساحة الرصيف وتكبروته مع أن المفروض أن يكتنز حتى نعطى فرصة أكبر للسيارات؟ وهل منعتم السيارات الوقوف أو الإنتظار بجانب الرصيف حتى تكبرونه؟!
أما السؤال الذى يفرض نفسه على الجميع هو:
إننا نبنى بلدنا من جديد ونحتاج لكل قرش لكى نضعه فى محله وننشئ شوارع وأرصفة جديدة، فلماذا نصرف على أرصفة جميلة سليمة لاتحتاج لأى تجديد بدلاً من أن نستغل هذا المال لبناء شوارع وأرصفة جديدة تفيد الشارع المصرى وتجمله، هل هى فلسفة اللامعقول؟ أم ماذا يا هذا؟!