يحدث أحياناً عندما نشاهد فيلماً فى السينما أو التليفزيون أن يحدث خلل ما فيتوقف المشهد، ومع توقفه ندخل بشكل عفوى فى لحظة تأمل، أى تأمل لحظة الثبات لاستكشاف ما تخفيه الحركة، فندقق فى الملامح والانفعالات والعلاقات بين الأشياء، حيث يكون فى مقدورنا فحصها فى ثباتها، عوضاً عن ملاحقتها فى حركتها. وإذا كان التأمل يرتبط بمعرفة تفاصيل المشهد الثابت، فهو يرتبط كذلك بتخيل السيناريوهات المحتملة عندما تبدا الحركة من جديد. إن الثبات رغم جموده إلا انه يكشف بعض الحقائق، تماما مثلما يفعل فريق البحث الجنائى وهو يستعرض شريطاً مصوراً عن حدث ما، فيأتى أمر القائد بتثبيت الصورة لفحص ما فيها.. إن الثبات يجعل العيون تتحرك لتتأمل أم الحركة فترهق العيون التى لا يسعها إلا الملاحقة.
فماذا لو توقف المشهد العام للحظة؟ ماذا لو توقفت الحركة فى الشوارع، حركة السيارات والمشاة والعابرين؟ وماذا لو توقفت الملامح على الوجوده؟ وماذا لو رأينا السلوكيات تتوقف، ذلك الذى يشعل سيجارة، أو ذلك الذى يزرع قنبلة قبل أن يتحول بعد لحظة إلى قاتل غير معروف، أو ذلك الذى يمد يده ليتحرش بفتاة لا تتحرك ولا تهرب بفعل موقعها داخل الصورة؟ تلك الحشود التى تتسارع وتتصارع لصعود عربات مترو الأنفاق أو النزول منها وكأنهم فى معركة حربية بدون أسلحة، وفى هذا الصورة الثابتة قد يقع نظرنا على آلاف المشاهد: الفقير الذى يستجدى المارة؟والشباب الذين يتبادلون الورود او الشائم، والأم التى تحمل طفلا وتمسك آخرا بيدها؟ وهكذا،، ماذا لو تحولت حياتنا للحظة إلى صورة،، مجرد صورة تقول لنا من نحن؟
أتخيل هذه اللوحة الهائلة فى مدينة كالقاهرة،، لا شك أن هذا الثبات سيعطينا مشهدا حيا فى ثباته، ولكنه أيضا سسيكشف لنا عن عشوائية الحركة والملامح والانفعالات.. وإذا دققنا فى المشهد المُتخيل فلا شك أننا ربما نسأل أنفسنا ما هى النقاط التى تشكل مواقع توتر أو احتمالات توتر؟ وما هى النقاط االتى تشكل مواطن بهجة أو احتمال البهجة؟ وربما لن يكون من الصعب القول أن كم المشاهد التى تعكس توترات إو احتمالات التوتر ستكون هائلة، بداية من حركة السيارات المتوقفة والتى لا تشى إلا بمصادمات محتملة إن لم تكن حتمية حال تحركها، وأولئك الذين يعبرون الطريق امام سيارات لا يمكن أن نتبأ إذا ماكان فى مقدورهم عبور الطريق أم أن من بينهم من سيتحول إلى جسد ملقى فى عرض الطريق؟ وكذلك آلاف الأيادى والأفواه التى اذا ما حركناها فسوف تخلق طوفانا من التحرش.. والتليفزيونات التى تتوقف شاشاتها على صور القتل والدمار، ومقدمى برامج مللنا وجوههم، وضيوف لا نعرفهم ربما يفتحون أفواههم بالتمجيد أو التخوين. باختصار، كم من الأشخاص سيتحولون إلى قتلة ومجرمين، بالمعنى المادى أو المعنوى،عندما تتحرر الصورة من ثباتها وتبدأ الحركة؟ وكم منهم مجرد شخوص عادية ؟ وكم منهم سيتحركون صوب المصلحة العامة.؟
إن هذه الصورة مجرد فرضية للتأمل وفقط، لأن حركة الواقع المتسارعة والعشوائية لا تعطينا فرصة للتأمل أو ربما التفكير،، إننا مصابون بداء الحركة ورهاب الثبات. فقط ما أريد قوله هو أن الصورة التى أفترض وجودها، ليست كتلك التى تحدثنا عنها خطابات الهوية والتباهى بالذات، وهى بكل تأكيد ليست تلك الصورة التى رسمها صلاح جاهين شعرا التى تغنى بها عبد الحليم حافظ، ليس تلك الصورة التى فيها “خضرة وميه وشمس عفية وقبة سما زرقا مصفية … ونسايم سلم وحرية ومعالم فن ومدنية … ومداين صاحية الفجرية علي أشرف ندهة واذان“..