احبس صراخك أيها المسكين وانزل راضيا تحت مقصلة الحياة…واجمع حصاد العوز من كروم الغلب وخبئه في قلبك الواهن…مت به أن يرضي ذلك وطا أعجز من أن يأوي المشردين ويطبب المرضي ويعول البائسين ويشبع الجوعي…مت بالقهر مرة بالفقر مرة بالذل مرات ومرات…احبس صراخك مرتين…مرة من فرط الألم وأخري بفعل الضعف العاجز وصراخ مكتوم لايقوي حتي علي الانطلاق…في كل يوم مأساة جديدة وكيف لنا أن نحل كل تلك المآسي…أنظر إلي دفاتري فأشعر بالضآلة تجاه معاناة الناس…أخاطبها أتحدث إليها وكأن تسمعني…يادفاتر الفقراء يا حاملة الألم فلتخبريني من أين لي إشباعهم وإيواءهم وعلاجهم…ياحاوية أسرار الغلابة وأوجاوعهم أخبريني أين الاتجاه…أفقدتني سطوة الأحزان بوصلة المراسي…وفي حكايات البشر سقطت منا كل الأشياء إلا الألم…أنظر إلي دفاتريأحملق فيها…أفيق علي رجل عجوز يقرع بابا مكتبي ممسكة بيديه زميلة لي.
يتستند إليها في بؤس شديد…أنه رجل في السبعين من عمره….بالمعاش…من مظهره تبدو حالته المادية…بدأ الحديث عن ابنته قائلا:لي ابنتان وابن…سعيت في الحياة راضيا بالستر والشقاء دون أن أتمكن من ادخار جنيه واحد…ربيت الأولاد وزوجت الابنة الكبري أما الأصغر ملتحق حاليا بالخدمة العسكرية…أدعو الله أن يعود لي سالما…تتبقي الصغري التي هي أكبر هم عشت العمر أحمله علي كاهلي حزينا كسيرا مقصوم الظهر.
صمت الرجل العجوز…علت تقاسيم وجهه مرارة القهر والانكسار…المشهد لايحتمل المواسة صمتت تماما حتي عاد ليكمل حديثه باكيا:ابنتي شاة في الثلاثين من عمرها…لم تنل حظها من التعليم بسبب ظروفها الصحية….التي تعاني منها طيلة حياتها…إذ أصابها شلل الأطفال ولم تزل صبية صغيرة…تعرضت لجراحات عديدة كانت آخرها جراحةفرد الركبة حتي تتمكن من المشي بدون أن تسند ركبتها بيديها في معاناة لايشعر بها إلي من أصيب بشلل الأطفال…
تزوجت شقيقتها وأنجبت ثلاثة أطفال…كنت أري في عينيها أمنيات الفتيات ولم تنطق..كنت أتمزق وهي إلي عكازين تستند ومن في مثل عمرها يلهون ويقفزون ويتباهون بالحبيب والخطيب والزوج…والوحدة تعتصر مشاعرها…وأدعو الله أن يهبها السعادة…إلي أن تقدم إلي خطبتها شاب له نفس ظروفها مصاب بشلل أطفال ومعاق في قدمه وساقه ويعمل في مقهي…وافقت أملا في إسعادها…وتزوجت…كان ذلك منذ ست سنوات.
لكن الأحزان تأبي أن تفارقنا…ظلت حياتها حزينة إذ لم يرزقها الله بالأطفال…رغم أن الأطباء أقروا أنه لا وجود لعيب طبي بالزوجين…ارتضت ابنتي بإرادة الله…لكن جحيم المفاجآت كان يشتعل حولنا…ولا حيلة لي أب عاجز أمام ابنة تطحنها رحي المرض وآلامه…وتظل تطحنها حتي تبعثر في الهواء روحها الطهور…فبعد فترة من زواجها فوجئت أنها مصابة بسرطان في الثدي…قطعوا من جسم بنتي…قالها الرجل العجوز وانهار باكيا…حتي حجبت دموعه نبرات الحسرة التي في صوته تماما…لم أجد حلا أمام دموعه إلا أن أتواصل مع ابنته مباشرة..فاتصلت بها حتي يستعيد هدوءه…جاءني صوتها الضعيف المملوء بالأمل في استقبال مولودها لتخبرني بقصتها قائلة:بعد زواجي بعام ونصف العام فوجئت بالتهاب شديد في حلمة الثدي الأيسر…لم تفلح معي الكريمات ولا المراهم…ذهبت لوالدتي وأطلعتها علي ما بي…فتوجهنا علي الفور لمعهد الأورام وهناك أجريت الفحوص اللازمة التي أثبتت أنني مصابة بورم سرطاني خبيث.
وبدأت التعرض لجرعات الكيماوي السابقة علي الجراحة ثم استأصل الأطباء الثدي الأيسر…وعدت لاستئناف الكيماوي والإشعاع..بعد فترة وجيزة تابعني الطبيب واقترح علي عمل ثدي تعويضي..باقتطاع جزء من عضلة ودهون البطن لتركيبه مكان الثدي المستأصل…وافقت..ولكن بعد الجراحة لم يلتئم الجرح…ودخلت جراحة أخري ولم يلتئم أيضا…ثم فوجئت بورم جديد في نفس الثدي التعويضي…حينها انهرت نفسيا…أخبرني الطبيب أنه لايمكن أن يصيب السرطان عضوا تعويضيا أبدا…لكنني صممت علي استئصال أيه شبهة لورم…فرضخ الطبيب لرغبتي وأجريت الجراحة…كل ما كان زوجي يعمل به كنا ننفقه علي الجراحات والأدوية…استغرقت رحلتي مع السرطان أربع سنوات تقريبا…وبعد أن أجريت الجراحة الأخيرة بشهر واحد اكتشفت أنني حامل…فرحة العمر ستكتمل؟لا لن تكتمل فالسرطاني يطاردني..وكيف أرضع وليدي؟؟وهل ينتقل إليه المرض؟؟أشباح الموت تطاردني وهواجس ذاك المرض الأخطبوط تلف أذرعها حول عنقي كادت تخنق جنيني…أنا التي انتظرت اللحظة سنوات وسنوات ماذا أفعل؟؟.
هكذا روت لي السيدة الشابة قصتها وما الذي دار برأسها حينما علمت أنها ستصبح أما بعد شهور…كانت إرادتها قوية…أخبرت الطبيب الذي أجري كل الفحوص وطمأنها علي حالة الجنين مشيرا إلي أنه لا علاقة للكيماوي أو الإشعاع بجنين حالي فقد مر وقت كاف علي التعرض لهما يقارب العامين…ومرت شهور الحمل والسيدة علي وشك الولادة لكن الأطباء اكتشفوا أنها تعاني من اعوجاج الرحم ولن يمكنها الولادة بشكل طبيعي وتحتاج لرعاية خاصة وولادة قيصرية قد تصل تكلفتها إلي ستة آلاف جنيه…لكنها لا تملك منها جنيها واحدا…ولا تملك حتي الاقتراض لا من قريب ولا من بعيد…استنزفت كل الطرق في معاناتها طيلة السنوات الماضية عبثا بحثت عمن يتحمل نفقة الولادة ولم تجد…لكن الله لايتخلي أبدا هكذا أخبرتها فكلنا من طين…كلنا منه وإليه عائدون…كلنا نعبر بالحياة ولا أحد يستقر إلي مالا نهاية…فلا خزائن دائمة مهما امتلات أدراجها…ولا جيوب الغلابة تبيت فارغة مهما تمزقت حوافها…
إيد الحب
امتدت أيادي الحب بالمبالغ التالية:-
200 ماري حليم
200 من يدك وأعطيناك
350 علي روح المرحوم ألبير سعيد متي
250 فاعل خير
200 من يدك وأعطيناك
امتدت أيادي الحب بالمبالغ التالية:-
200 ماري حليم
200 من يدك وأعطيناك
350 علي روح المرحوم ألبير سعيد متي
250 فاعل خير
200 من يدك وأعطيناك