د. ماريان تادرس
تشهد الساحة العراقية اليوم موجة عارمة من العنف والقتل يواجهها مسيحيو مدينة الموصل وغيرهم ممن يعيشون على أرض العراق ، نراهم يبكون ويتألمون ولا أحد يسمع صراخهم ويأن لما أصابهم ، قد يعتقد البعض أنهم ضعفاء ولا حيلة لهم ولكن الله هو القادر أن يمنحهم القوة والصبر على ما أصابهم من شر وأذى.
لقد استيقظوا هؤلاء الأبرياء ليجدوا أنفسهم يعيشون على تلك الأرض دون وجود حكومة قوية تحقق لهم الأمن وتوفر لهم الراحة والإستقرار، بل هي حكومة لا حول لها ولا قوة لا تجد من يساندها ، وكل ما تقدمه للشعب المسكين هو مواساته على فقره وتعذيبه وإرهابه وقتله .
هذا هو موقف الحكومة العراقية مما يحدث على أرضها ، ماذا عن موقف الإعلام المصري مما يحدث في العراق؟
إنه موقف هزلي لا يتوافق مع حجم الكارثة الحقيقية التي يعاني منها الشعب الأعزل ، ولكون هؤلاء المعذبون في العراق مسيحيون فلا داعي من الحديث عن آلامهم ومعاناتهم من التنظيم الإرهابي الممنهج بالعراق ، فليست هناك مشكلة أن تتفجر كنائسهم وأن يتم إعلانهم بتسليم كافة ممتلكاتهم وتهجيرهم بالإكراه من منازلهم ، ولا مانع من سرقتهم وقتلهم وتعذيبهم وإجبارهم على اعتناق الإسلام أو دفع الجزية كما كان يحدث معهم في العصور الأولى.
لا مانع من انتهاك حرمة مقدساتهم الدينية وحرمان أطفالهم من الحياة الهادئة وترويعهم وبث الذعر والخوف في قلوبهم، إنهم في النهاية مسيحيون يتحملون كل شيء بصمت ويصرخون إلى الله في كل ضيقة تحل بهم .
هذا ما عكسته حالة التجاهل الإعلامي والصمت الغريب الذي سيطر على قنواتنا الفضائية، وكأن شيئا لم يحدث وكأن كرامة وحياة المواطن المسيحي لا قيمة لها ، على الرغم من إهتمام جميع وسائل الإعلام بما يحدث في غزة ، وهل أصبح سكان غزة أهم من سكان العراق؟ وما سر هذه التعاطف العجيب مع الفلسطينيين بعد ارتكاب حركة حماس الفلسطينية المذابح العلنية على الأراضي المصرية؟ وهل كانت دماء المصريين التي سالت ولا زالت تسيل من جراء العمليات الإرهابية التي تقوم بها حماس داخل الأراضي المصرية دماء حلال؟ إن محاولة إظهار وسائل الإعلام المصرية تعاطفها مع ما يحدث في غزة هي محاولة فاشلة لأن غالبية المصريين فقدوا تعاطفهم مع هؤلاء الذين فتحوا السجون وأطلقوا وابل من المجرمين في الشارع المصري ، وقتلوا الأطفال والشباب ، كم قضية توصلت فيها التحقيقات الجنائية إلى تورط هذا الفصيل فيها؟ وكم تقدر الخسائر المادية والبشرية التي تكبدتها مصر من خيرة شبابها وجنودها من جراء العمليات الإرهابية التي تقوم بها هذه الحركة؟
إن كانت اسرائيل قد قامت بقصف قطاع غزة بالصواريخ فهذا ردا على استفزاز حركة حماس لها بإطلاق صاروخين على الجانب الإسرائيلي ، وهذا شيء متوقع لأن لكل فعل رد فعل ، ولكن ماذا عن مسيحيي العراق الذين لم يطلقوا صواريخ ولم يبادروا بالشر أو الأذى ؟ لماذا يعاقبون على سلميتهم وأي ذنب أرتكبوه لتمارس معهم هذه الإنتهاكات الإنسانية ؟
إن كانت وسائل الإعلام غير عادلة في عرض القضايا العربية نظرا لإنحيازها وراء دولة دون أخرى لإعتبارات سياسية ودينية ، فمن إذن قادر على الكشف عن حقيقة المعاناة التي يعيشها أهل العراق الآن ومن الذي يستحدث عن أوجاعهم ويسمع أنينهم ؟ هل سيظل المجتمع الدولي متعاطفا مع القضية الفلسطينية فقط ومتجاهلا الإضطهاد الديني الذي يلاقيه شعب العراق، وإن كان المجتمع الدولي ينادي بحقوق الإنسان والدعوة للسلم في الأراضي الفلسطينية ، فلماذا لا ينادي بنفس هذه الحقوق في الأراضي العراقية؟
لقد وقفت دول العالم الغربي وقفة المتفرج الذي يشاهد عملا دراميا يعرض أمامه ، بعد أن ساهمت هذه الدول وعلى رأسها الولايات المتحده الأمريكية في تمويل الإرهاب في المنطقة العربية ودعم تنظيم القاعدة عبر السنوات الماضية لخدمة مصالحها السياسية، والآن هم لا يبالون للدماء البريئة ولا يندمون على ما فعلوه ، أكتفوا فقط بإلتزام الصمت والتصريحات الإعلامية الجوفاء التي تدين وتشجب .
إننا نعيش اليوم حالة من العبث السياسي الذي يخطط ويدمر الشعوب في حروب أهلية طاحنة دون تدخل خارجي، وأصبحت أي دولة عظمى تود الفتك بأي شعب ، قادرة على تمويل فصيل دون الآخر بالسلاح والمال حتى يدمر الفصيل الآخر الذي لا يجد سوى انتظار رحمة الله .