يحتفل المواطنون الأقباط (المصريونالمسيحيون) في هذه الأيام المباركة بمناسبة عزيزة جداً عليهم، حيث عيد القيامة المجيد، والذييُعد أكبر الأعياد عند المسيحيين، إذ فيه نتذكر- وحسب العقيدة المسيحية- قيامة السيد يسوع المسيح من بين الأموات قبل ما يُقرب من ألفيسنة، لقد قام منتصراً على الموت وغالباً إياهومحققاً الفداء.
والاحتفال بهذه المناسبة يأخذ الكثير من مظاهر البهجة والفرح عند المسيحيين، الكبارمنهم والصغار على حد سواء، لاسيما وأن هذا العيد تسبقه صلوات أسبوع الآلام (البصخة/ العبور) حيث يتذكرون عبور السيد المسيح للآلام وصلبه وموته ثم قيامته من بين الأموات.
والواقع أن القيامة في معناها المعاصر إنما تعني الانتصار.. وظني هنا أنهما وجهان لعملة واحدة، فالقيامة هي الانتصار والانتصار هو القيامة. ذلك أن القيامة هي انتصار على الشروالأشرار، وفي المقابل هي اهتمام بعمل الخيروتحويل الأشرار إلى أصدقاء وأخيار، فالقيامةهي محبة الناس، كل الناس.. القريب منهم والبعيد،المتفق معي والمختلف أيضاً، فهي بذل الذات من أجل الآخرين في محبتهم بصدق ودون غش، ذلك أن القيامة الحقيقية لا تعرف الحسد ولا الحقد ولا الكراهية، إنما هي تتحلى بكل قيم التسامح وقبول الآخر المختلف معي في أي شيء.. في اللون أو الجنس أو الدين أو المذهب أو الفكر.. إلخ. ومن ثم فهي ضبط النفس وتوجيه الإنسان من أجل أنيعمل الخيرات لا أن يؤذي الآخرين أو يضايقهم.
والقيامة هي الحرية، حرية الإنسان من أيأسر، وحرية الإنسان من سيطرة المستبدينالظالمين، فهي انتصار على ظلم الطغاة وجبروتهم.فلقد كانت مصرنا الحبيبة وعلى سبيل المثال- وحسب تأملات البعض في المعنى المعاصر للقيامة- في حالة من حالات القيام والانتصار الوطنى أثناء ثورة 1919م المجيدة، حين اتحدت كلمة المصريين على طلب الاستقلال التام وجلاء القوات البريطانية عن أرض الوطن من أجل تحقيق الاستقلال الكامل غير المنقوص، فكان شعارهمآنذاك: “الدين لله والوطن للجميع” وكان الهدف العظيم واضحاً أمامهم وهو: “الاستقلال التام أوالموت الزؤام”، كما انتشرت بينهم عبارة الأستاذ سينوت حنا: “الوطنية ديننا والاستقلال حياتنا”.
كما إننا عشنا معنى القيامة والانتصار مع انتصارات أكتوبر المجيدة وتحرير الأرض المصرية المغتصبة. لذا فالقيامة هي استقلال عن الشر وتحرر من الظلم والطغيان.
كما تحقق معنى القيامة أيضاً مع اندلاع ثورتي 25 يناير 2011م و30 يونيو 2013م، رغبة من المصريين في النهوض والتخلص من مظاهر الاستبداد والظلم وكبت الحريات.. الخ، طلباً للحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية.
بل دعوني أقول هنا أن كل من يؤمن بفكرة إنسانية أو قيمة إيجابية ويدافع عنها حتى الموت، وأن كل من ينادي بقضية له فيها موقف أصيل، وأن كل من يقوم برسالة سامية بين البشر، فإنه في الحقيقة يعيش معنى القيامة ويعرف معنى الانتصار.
إن القيامة هي كل انتصار يحققه الإنسان سواء لنفسه أو لغيره، مع العلم أن كل نجاح ذاتيإنما يصب في نجاح المجتمع، وكل تقدم يحققه المجتمع إنما يعود بشيء أو بآخر على الفرد،فحين ينجح الطالب في امتحاناته فهو بذلك فى حالة من حالات القيامة والانتصار، وحين ينجح أبناء الوطن في التخلص من مشكلات الوطن وهمومه فهم يحيون حياة القيامة والانتصار.. فالتخلص من مشكلات الجهل والأمية والفقروتحقيق الحرية والمساواة والديمقراطية..، كل ذلك إنما هو انتصار حقيقي وقيامة حقيقية.
أعزائي القراء.. لقد قام السيد المسيح منبين الأموات وعلمنا أن نحيا حياة الانتصار، فكل عام وأنتم جميعاً ووطننا الحبيب مصر في خيرومحبة وفرح وسلام.. في حياة جديدة دائماً ملئوها القيامة والانتصار.