ما زالت الانتخابات الأمريكية هي الأكثر دراما وتشوق ومتعة في كل الانتخابات الرئاسية في العالم كله, وكلما زادت حدة التنافس كلما زادت متعة المتابعة والإثارة والشوق لمعرفة النهايات.تأتي انتخابات هذا العام وسط حالة
ما زالت الانتخابات الأمريكية هي الأكثر دراما وتشوق ومتعة في كل الانتخابات الرئاسية في العالم كله, وكلما زادت حدة التنافس كلما زادت متعة المتابعة والإثارة والشوق لمعرفة النهايات.تأتي انتخابات هذا العام وسط حالة من القلق علي المستقبل وحيرة في المجتمع حول تحديد من يملك بوصلة الإنقاذ, فالاقتصاد الأمريكي مازال يعيش وطأة الأزمة, وحالة المواطن الأمريكي تراجعت بكل المقاييس, فمعدل البطالة مازال يدور حول 8%, وهناك 47 مليون مواطن أمريكي يعيشون تحت خط الفقر, ويحصلون علي كوبونات الطعام المجانية من الحكومة, وهي أعلي نسبة منذ 28 عاما, وهناك 23 مليون مواطن بلا عمل,وأكثر من 50% من خريجي الجامعات لا يجدون فرصة للعمل,وبلغ معدل الديون الأمريكية 16 تريليون دولار وهي تفوق قيمة الناتج المحلي الإجمالي للدولة, والمؤسف أن هذه الديون زادت 6 تريليونات في عهد أوباما فقط, وهناك نحو 50 مليون أمريكي بلا تأمين صحي.
من ناحية أخري تركت أزمة العقارات آثارها علي العائلات الأمريكية وخاصة بين الأقليات, فمنذ عام 2009 خسر اقتصاد البيت الإسباني الأمريكي من قيمة أملاكه بنسبة 66% وأصبح متوسط قيمته في هذه الفترة 6235 دولارا فقط. وانخفض اقتصاد البيت ##الاسود الأمريكي## بنسبة 53% وأصبح متوسط قيمته في تلك الفترة5677 دولارا فقط. وانخفض اقتصاد البيت الآسيوي المتوسط بنسبة 54% وتقدر قيمته بـ 78066 دولارا. وخسر اقتصاد البيت الأبيض 16% ومتوسط قيمته 113 ألف دولار فقط.
هناك أيضا أزمة في التقاعد, فقد تضررت أموال المعاشات والتقاعد بشكل كبير جدا خلال الأزمة حتي أنها وصلت إلي ربع قيمة ما كان يتوقع أن تكون, في نفس الوقت فإن هناك 34% من الموظفين الذين تتراوح أعمارهم من 60-64 سنة لا يستطيعون التقاعد نتيجة الديون الباهظة المتبقية علي منازلهم.
وهناك فقاعة جديدة يتوقع أن تنفجر في أي وقت وهي ديون الطلبة والتي وصلت إلي تريليون دولار في الوقت الذي فشل الخريجين في التسديد نتيجة أزمة البطالة. وهناك ديون ##الكريدت كارد## والتي جعلت حالات العجز عن الدفع متفشية بشكل ينبأ بأزمة أخري.ولهذا لم يكن مستغربا أن كلمة أقتصاد تكررت 66 مرة في المناظرة الأخيرة بين أوباما ورومني, وكلمة عمل وتوظيف تكررت 57 مرة, وكلمة طاقة تكررت 33 مرة, في حين ذكرت كلمة ليبيا 5 مرات فقط وسوريا 4 مرات فقط رغم حدة الأزمة في الدولتين.
في هذه الأجواء يتقدم أوباما بأجندة تعتمد علي إعانة الفقراء بدلا من تنمية الاقتصاد, ويتقدم رومني بأجندة تنموية ولكنها غير عادلة وستؤدي إلي زيادة الأغنياء ثراء والفقراء فقرا, أحدهما يساري جامح في دولة تتزعم الرأسمالية العالمية والآخر يميني مندفع في دولة يزداد فيها عدد الفقراء يوما بعد يوم,أحدهما يتصرف وكأن أمريكا خارجة من التاريخ والآخر يؤمن أو يدعي أنه قادر علي إعادة أمريكا لقيادة حركة التاريخ ,أحدهما يجيد الكلام بدون عمل والآخر يرفع سقف التوقعات بدون أن يقول لنا كيف سيحقق ذلك,أحدهما دمر فرصة جوهرية في الشرق الأوسط وسلم الدفة للإسلاميين بدلا من مساندة الديموقراطية الحقيقية والآخر يدعي إنه قادر علي إعادة تشكيل الشرق الأوسط بدون أن يقول لنا كيف. هذه للأسف أحدي معظلات الديموقراطية الأمريكية, حيث تنحصر الخيارات بين حزبين فشل كل منهما في السنوات الأخيرة في تقديم الشخص الأصلح لقيادة أمريكا, ولهذا يزداد عدم اليقين يوما بعد يوم, وتزداد كتلة المترددين والمستقلين غير المنتمين لأحزاب سنة بعد سنة, وكلما أتسع حجم هذه الكتلة كلما كانت المنافسة الأنتخابية شرسة وسخنة حتي آخر لحظة, فهؤلاء الذين لم يقرروا لمن سيعطون صوتهم هم القوة الحقيقية المؤثرة في نتائج الانتخابات الأمريكية.
المعضلة الحقيقية تتلخص في أن أمريكا دفعت فاتورة ضخمة لقيادة العالم دون أن تستفيد اقتصاديا بنفس القدر, وفي الوقت الذي تصبح فيه السياسة عبئا علي الاقتصاد يبدأ التراجع. بل وصل الأمر أن أمريكا انفقت علي حربي العراق وأفغانستان من القروض وليس من الموارد الخاصة بالدولة, وهذا تطور خطير أن تقترض الدولة عدة تريليونات للأنفاق علي حروب يمكن تجنبها.
إن المحنة الحقيقية في أن أوباما من وجهة نظري لا يؤمن بأمريكا الرائدة القوية ويقود أمريكا وكأنها خارجة من التاريخ مما قد يعجل بهذا الأمر في حين أن رومني يطرح عودة الدور الأمريكي بدون خطة لتوازن السياسة مع الاقتصاد, وأمريكا تحتاج إلي شخص يعيد الدور الأمريكي من خلال جعل السياسة تخدم الاقتصاد وتعيده إلي عنفوانه ومساره الصحيح… وللأسف هذا الشخص لم يظهر حتي الآن.