رغم أن التزوير في الانتخابات البرلمانية كان أكثر بكثير مما حدث في الانتخابات الرئاسية, إلا أن طبيعة التنافس في الرئاسية وصحوة المصريين ومراقبتهم لسلوك التيارات الإسلامية سلط الضوء أكثر علي ما حدث في الانتخابات
رغم أن التزوير في الانتخابات البرلمانية كان أكثر بكثير مما حدث في الانتخابات الرئاسية, إلا أن طبيعة التنافس في الرئاسية وصحوة المصريين ومراقبتهم لسلوك التيارات الإسلامية سلط الضوء أكثر علي ما حدث في الانتخابات الأخيرة. فقد تعدي سلوك التيارات الإسلامية موضوع التنافس إلي تهديد السلم الوطني ومؤسسات الدولة, فقبل ظهور النتائج وضعوا شرطا عجيبا وغريبا وإستفزازيا لقبولها وهو فوز مرشحهم محمد مرسي,أما في حالة فوز أحمد شفيق فهم سيعتبرون أنها زورت!!!, وهذا منطق لم نسمع عنه في أي مكان في العالم ويلغي فكرة المنافسة الانتخابية من اساسها. وجاء سلوكهم الثاني مكملا لسياسة فرض الأمر الواقع علي المصريين عندما عقد مرشحهم مؤتمرا صحفيا في الرابعة صباحا ,قبل أن يكتمل الفرز, ليعلن فوزه بالرئاسة وكأن الوحي تحدث اليه بأنه هو الفائز, وهذا الاستفزاز الإخواني المدروس جيدا يعني تجييش الشارع وقواعدهم ضد أي نتيجة أخري حتي ولو كانت صحيحة.
وبعد اكتشاف مخالفات كثيرة شابت العملية الانتخابية وتورط في معظمها الإخوان, خرجت العديد من الأصوات الاخوانية ما بين رافض ومهدد, ومن أغرب هذه الأصوات ما قاله الدكتور محمد عبد المعطي الجزار مسئول المكتب الإداري لجماعة الإخوان المسلمين بمحافظة القليوبية من أن ما حدث من تزوير ليس للإخوان علاقة به بل السر الإلهي قد أودع الصناديق ولم يرنا الله منه إلا كل خير!!!.
أما ما قاله سعد الحسيني, عضو المكتب التنفيذي للحرية والعدالة, فهو قمة الاستفزاز والتهديد حينما يقول أن الدكتور محمد مرسي هو الرئيس شاء من شاء وأبي من ابي!!!, مهددا بثورة ثانية في حالة إعلان فوز أحمد شفيق,ومفصحا عن تهديده بلغة لا تحتمل المواربة بقوله بأن قلاقل لا تحمد عقباها سوف تحدث وأن فوز شفيق سيكون خيارا مفزعا للمجلس العسكري الحاكم!!!
أما أحد اعضاء مجلس شوري الجماعة الإسلامية فقد طالب المجلس العسكري بإعلان البيعة لمحمد مرسي, وإعلان البيعة معناه الرئاسة مدي الحياة, فالبيعة دينيا لا تسقط.
الملاحظة الثانية تتعلق بالتحول في الجهة التي تقوم بالتزوير والمخالفات, فعلي مدي ستة عقود كانت السلطة هي التي تزور لصالحها,أما في هذه المرة فأن الجماعة الدينية التي تدعي بأنها مضطهدة, والتي تزعم بإنها تتحدث باسم الله, هي التي قامت بالتزوير والغش والتدليس والكذب والتهديد والترهيب والترويع.
من ناحية أخري أثارت اندهاشي تقارير مركز كارتر عن سير الانتخابات, ففي الانتخابات البرلمانية أشاد المركز بنزاهة العملية الانتخابية رغم جسامة المخالفات, وفي الانتخابات الرئاسية ترك مركز كارتر مهمته الرئيسية في تقرير النزاهة من عدمه وتحول إلي تقييم العملية السياسة والإعلان المكمل, وهذا يرفع الغطاء عنه كجهة رقابية علي النزاهة الانتخابية إلي جهة تصدر أحكاما سياسية ليست من اختصاصها.
لفت نظري كذلك تدني نسبة المصوتين لأحمد شفيق في محافظات الصعيد رغم التواجد القبطي الكثيف بها, وقد ترددت تقارير تفيد بترويع الأقباط في محافظات الصعيد ومنعهم من الخروج من منازلهم حتي لا يصوتوا لأحمد شفيق, وهذا في حد ذاته لو حدث لكان سببا كافيا لإلغاء هذه الانتخابات برمتها, فهو ضرب لحقوق المواطنة في مقتل,وإذا صح أنهم فعلوا ذلك وهم خارج السلطة فماذا سيفعلون عندما يحتكرونها؟. هذا الموضوع يحتاج إلي تحقيق عادل ونزيه.
استمر الإخوان خلال الفترة الماضية أيضا في ممارسة الوصاية والصوت العالي بأنهم المتحدثون باسم الإسلام والمحتكرون للإيمان الصحيح,وهذا جزء من الإرهاب الفكري للمختلفين معهم في مسائل تقوم علي الاختلاف أساسا, فعندما تقدم أحد المحامين بقضية لحل جماعة الاخوان المسلمين, وصف محامي الاخوان الروبي جمعة هذه القضية بأنها تهريج, فالإسلام فوق القانون, والاخوان جماعة تدافع عن الإسلام, والشعب المصري قد اختار الإسلام علي حد قوله, فكيف يستطيع قاض أن يحكم في ظل هذه الأجواء, خاصة وأن هناك سوابق مخيفة مثل الحكم في قضية حازم صلاح أبو إسماعيل عندما احتل أنصاره مقعد القاضي واضطر أن ينطق بالحكم من غرفة أخري, وعندما احاط جمهور الاخوان بالمحكمة الدستورية وقت نطقها بعدم دستورية قانون الانتخابات.
يتفنن المصريون في كل مرة في اختراع طرق للتزوير,وبالفعل كانت مفاجأة الانتخابات الرئاسية هي الطفل الدوار الذي يحمل علي كتف المصوت ليتأكد من تصويته للمرشح المطلوب قبل أن يستلم ثمن الصوت, وهي طريقة يمكن تسجيلها في الموسوعات السياسية العالمية تحت براءة الاختراعات المصرية في تزوير الانتخابات.
عموما المشهد كله في مصر لا يبعث علي الطمأنينة ولا علي الثقة, وأيا ما كانت النتيجة فإن الشكوك حولها ستكون هي المشهد الغالب, فالمسألة برمتها صراع علي السلطة وعلي شكل الاستبداد وليست تفاهمات من أجل تقدم الوطن, ولهذا حذر الدكتور محمد البرادعي بأن مصر علي وشك الانفجار……….. ربنا يستر.