الخلافات السياسية أمر يمكن تفهمه, لكن من غير المقبول أن يعمد زعماء مصر الجدد إلي ترهيب الإعلام المحلي أو إصدار أوامر بتحركات محظورة إلي داخل سيناء أو إزكاء الأكاذيب المتعمدة عن إسرائيل.
الخلافات السياسية أمر يمكن تفهمه, لكن من غير المقبول أن يعمد زعماء مصر الجدد إلي ترهيب الإعلام المحلي أو إصدار أوامر بتحركات محظورة إلي داخل سيناء أو إزكاء الأكاذيب المتعمدة عن إسرائيل.
هناك واقع جديد وواقع بديل يتشكلان في مصر حاليا. إذ يبدو أن الرئيس محمد مرسي وجماعة الإخوان المسلمين يسيطران بإحكام علي مفاصل الدولة. فقد استغل مرسي مقتل 16 جنديا مصريا في سيناء في وقت مبكر من هذا الشهر – أمر محرج للجيش ولا سيما ##المجلس الأعلي للقوات المسلحة## – لعزل أبرز القادة العسكريين من مناصبهم. كما قام بتعديل الإعلان الدستوري من مارس 2011 بشكل أحادي ومنح نفسه السلطتين التنفيذية والتشريعية. وباختصار, فبدون وجود أي مؤشرات علي المقاومة من قبل الجيش فرض مرسي القيادة المدنية علي مصر.
ينظر كثيرون إلي تحرك مرسي للسيطرة علي ##المجلس الأعلي للقوات المسلحة## – بإقالته المشير محمد حسين طنطاوي ورئيس هيئة أركان الجيش سامي عنان وقادة الجيش والبحرية والقوات الجوية المصرية – علي أنه يمنح الثورة المصرية في النهاية فرصة لعزل فلول نظام مبارك الرئيسيين فضلا عن الوفاء بالوعد الذي قطعته الثورة ,علي نفسها أمام الذين أعلنوا عنها]. بينما يري آخرون – لا سيما غير الإسلاميين – أن تلك الإجراءات الأخيرة تأتي في إطار سعي الإخوان إلي إزالة كافة المعوقات أمام سلطتهم.
وبالنظر إلي بعض التحركات الأخري التي اتخذها مرسي ومن حوله, فهناك أسبابا تدعو للقلق. فقد عين مرسي وزيرا جديدا للإعلام – صلاح عبد المقصود – الذي ينتمي أيضا إلي جماعة الإخوان المسلمين ويدعم بصورة نشطة التحرك الهادف إلي استبدال 50 محررا وصحفيا بارزا. وقد تم توجيه اتهامات ضد محرر صحيفة المعارضة المستقلة ##الدستور## لإهانته الرئيس. ويرجح أنه ليس من باب المصادفة أن نبرة الإعلام المملوك للدولة قد تغيرت بشكل ملحوظ في الأسبوع الماضي – وأصبحت أكثر تفضيلا لمرسي.
وأيا من ذلك لا يعني أن مسار التغيير في مصر مقدر سلفا. ولكنه يعني أن مرسي – الذي أحاط نفسه إلي حد كبير بأعضاء من جماعة الإخوان أو المتعاطفين معهم – يهيمن علي كافة مؤسسات السلطة في مصر. فالرئيس و الإخوان سيجدون صعوبة في التهرب من المسئولية تجاه أي حادث يقع في مصر. فالبلاد تواجه تحديات اقتصادية صعبة وسوف تحتاج إلي الكثير من المساعدات الخارجية والاستثمارات الخاصة. ويسعي مرسي وجماعة الإخوان إلي الحصول علي دعم خارجي لـ ##مشروع النهضة## الذي تبنوه لتنشيط الاقتصاد, فبعد أن رفضوا شروط اتفاق ##صندوق النقد الدولي## عندما لم يكونوا في السلطة, يبدو أن مرسي و الإخوان متحمسين الآن ليس فقط للحصول علي ذلك القرض وإنما لاقتراض أيضا ما يزيد علي 3.2 مليار دولار كان ##الصندوق## مستعدا لتقديمها بشروط.
وفي هذا الصدد يبدو أن مرسي و جماعة الإخوان يدركون الواقع. لكن هناك جانب آخر علي نفس القدر من الأهمية يبدو أنهم مصرين علي تجاهله. لننظر إلي إنكار مرسي لواقع إرساله ردا لرسالة الرئيس الإسرائيلي شيمون بيريز علي برقية كتبها بيرس إليه بعد أن أثارت أنباء تلك البرقية رد فعل عنيف في صفوف الإخوان علي إجراء مرسي أي اتصال مع إسرائيل. وما يجعل هذا الأمر جديرا بالملاحظة أن مكتب بيريز لم ينشر خطاب مرسي علانية إلا بعد مراجعة المصريين للتأكد من أن ذلك لا بأس به. وقد دفع السخط الشعبي في صفوف الإخوان إلي إنكار الرئيس المصري علنا هذه الحقيقة. وعلي نحو مماثل, لننظر إلي توجيه الجماعة أصابع الاتهام فورا إلي ##الموساد##, الجهاز الإسرائيلي للاستخبارات والمهمات الخاصة, عن هجوم سيناء الذي أودي بحياة الجنود المصريين – وهو شيء تعلم الجماعة أنه غير حقيقي.
فما هي الاستنتاجات التي ينبغي التوصل إليها حول تنظيم لا يستطيع الاعتراف بالحقيقة؟ ويصر علي العيش في واقعه الخاص؟ إن أكثر ما يبرزه ذلك هو تمسك الجماعة بأيديولوجيتها وعدم استطاعتها الاعتراف بأي شيء قد يثير تساؤلات حول فلسفتها الأساسية. لكن لا ينبغي علي الولايات المتحدة وغيرها تقبل الواقع البديل لـ الإخوان. وهذا لا يعني أنه يتعين علي الطرفين أن يتفقا حول كل شيء. فالخلافات السياسية أمر مفهوم – لكن من غير المقبول إنكار الواقع وتعزيز رواية وسياسات تقوم علي الأكاذيب والأوهام.
ينبغي علي مرسي و الإخوان أن يعلمون ذلك. كما يتوجب علي الشعب المصري ورئيسه أن يعلمون أيضا أن الولايات المتحدة مستعدة لحشد المجتمع الدولي والمؤسسات المالية العالمية من أجل مساعدة مصر – لكنها لن تفعل ذلك إلا إذا كانت الحكومة المصرية مستعدة للعب حسب مجموعة من القواعد المستندة إلي الواقع والمبادئ الأساسية. عليهم أن يحترموا حقوق الأقليات والنساء, بل يجب عليهم تقبل التعددية السياسية وإفساح المجال أمام المنافسة السياسية المفتوحة فضلا عن احترام التزاماتهم الدولية, بما في ذلك شروط معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل.
إن السجل حتي اليوم ليس مشجعا: إذ تشير التقارير الإخبارية إلي أن أكثر من 100.000 مسيحي قبطي غادروا مصر; هذا إلي جانب تجدد الجهود الرامية إلي ترهيب الإعلام, وقيام مرسي بدفع القوات المسلحة إلي سيناء دون إخطار الإسرائيليين أولا – وهو أحد متطلبات معاهدة السلام. يجب أن يكون موقف الإدارة الأمريكية واضحا: إذا استمر هذا السلوك فإن دعم الولايات المتحدة لن يتحقق – حيث سيكون ضروريا لكسب المعونة الاقتصادية الدولية وتعزيز الاستثمار. إن تخفيف حدة رد واشنطن أو حجبه في هذه المرحلة قد يكون جيدا لجماعة الإخوان, لكنه لن يكون جيدا بالنسبة لمصر.
* دينيس روس هو مساعد خاص سابق للرئيس أوباما لشؤون الشرق الأوسط وجنوب آسيا.
واشنطن بوست