ليس من قبيل المصادفة أن الأنظمة الفاشية والشيوعية علي مر التاريخ أعلنت الحرب علي الأسرة, وحاولت تأليب الأبناء علي آبائهم, والزوجات علي أزواجهن, والأجيال بعضها ضد بعض. وسبب هذا هو رغبة الدولة في الحصول علي المعلومات لخدمة أغراضها الخاصة, وحاجتها للمطالبة بولاء أقوي من الولاء الذي فطر الناس علي حمله لأسرهم. هذه المؤسسات تعد تخريبية في مثل هذه المجتمعات لأن الحب والإخلاص اللذين تخلقهما يولدان المقاومة لمطالب الدولة. فالمجتمع المدني القوي يمثل عائقا في وجه الاستبداد لأنه يتبع نظاما أخلاقيا يحمي قيم الحرية ويصونها. ومن خلال إضعاف المؤسسات المدنية, تجرد الحكومات الشمولية الفرد من طبقات الحماية التي تقيه من يدها الخشنة. وحين تختفي هذه الطبقات التي تفصل بين الفرد والحكومة, يصير الفرد مكشوفا في مواجهة أعداء المجتمع المفتوح الذين يخضعون حرية الفرد لسلطة الدولة.
ونجد شبكة معقدة من الالتزام المتبادل, هذه الشبكة التي تحفظ القوة الاجتماعية من خلال كبح جماح القوة السياسية تخلق شبكة من الحقوق والواجبات المتبادلة التي تمكن المجتمع من حكم نفسه. المجتمع ميثاق عظيم, ليس فقط بين أفراده, بل يضم أيضا أولئك الذين ما عادوا علي قيد الحياة وكذلك الأجيال التي لم تولد بعد. فنحن نتصرف وفقا لمصلحة أفراد آخرين لا نعرفهم, ولا يمكننا أحيانا معرفتهم, لأننا مدفوعون بحس أخلاقي يخبرنا بما علينا فعله. هذه الدوافع الأخلاقية تحثنا علي أداء أدوارنا علي نحو أفضل مما فعلته أي حكومة من قبل, وبما يحقق منفعة متبادلة أعظم. فكل من الآباء والأبناء لديهم حقوق ومسئوليات نحو بعضهم بعضا. وكل جيل لديه مسئولية تجاه الجيل الذي سبقه والجيل الذي يليه. والزواج والصداقة, بل حتي علاقة الإنسان بالحيوان, كلها محكومة بهذه الالتزامات التي تتولد عنها روابط المجتمع وترشدنا لتأدية واجباتنا تجاه الآخرين, مثلما نأمل أن تؤدي تلك الواجبات تجاهنا. ولأن الحكومة تعجز عن أن تحل محل هذه الشبكة, تنشأ القسوة والوحشية عندما تحاول ذلك.
ربما لا تواجهنا في الوقت الحالي مهمة أكثر أولوية من إعادة بناء النظام المدني في تلك المجتمعات التي أدت ممارسات الدولة الشمولية فيها إلي تدمير هذا النظام كليا. ومن الخطأ الافتراض بأن الحكومة يمكنها النهوض بهذه المهمة. فالمجتمع المدني نتاج للأفعال الإنسانية التلقائية لأشخاص أحرار. وهو يستلزم أن تبتعد الحكومة عن مساعي الأفراد وأن تترك لهم حرية الارتباط بعضهم ببعض. إن تدمير النسيج الأخلاقي للمجتمع أسهل بكثير من بنائه بحرص وتوريثه للأجيال القادمة. وما من شك في أن الحرية لن تدوم طويلا ما لم نبدأ في تنفيذ هذه المهمة. وهذا يعني أن الأفراد لابد أن يكونوا أحرارا في شئونهم الاقتصادية وأنشطتهم الدينية وحياتهم الأسرية.
كبير مسئولي البرامج بمعهد الدراسات الإنسانية بجامعة جورج ماسون
منبر الحرية