قلبى الخفاق … وهوذا الثوب خذيه… وأنت لم تنصت إلى الحية ..أغلق الباب وحاجج. قصائد البابا شنودة الثالث مثلث الرحمات حفظتها فى مرحلتى الإعدادية واستمتعت فيها بالروحانية الفصحى إن صح التعبير لما فيها من قوة ودقة وعمق المعنى.. قصائده وكتبه حببت اللغة العربية إلينا. عندما بدأت عملى فى وطنى 1985 كنت أرى مقالات قداسة البابا شنودة المكتوبة بخط يده بحكم تواجدى لأكثر من عام فى سكرتارية التحرير والاشتراك فى إعداد ماكيت الصفحات ولفت انتباهى خطه الجميل الواضح وكان يكتب المقال على اتساع سطور أقرب إلى أعمدة الجريدة، فكان ورق المقال يطبق طولياً وتسطر عليه الكلمات ويظلل السطور التى يريد أن تطبع باللون الأسود السميك بلون أصفر أو أخضر فسفورى? وكم كانت سعادتى عندما بدأت عملى التحريرى فى صفحة المرأة والأسرة والطفل فى 1986 لأسباب مهنية كثيرة يزيد عليها أن هذه الصفحة كانت تقع فى الصفحة الثالثة المقابلة لمقالة البابا شنودة… كم كنت أشعر بمسئولية كبيرة فى انتقاء الموضوعات والأفكاروالصور لأن هاتف بداخلى كان يقول خلى بالك البابا أكيد بيشوف الصفحة دى.. وظللت فخورة بوضع صفحتى فى الجريدة مقابل قداسة البابا إلى أن نجح رئيس التحرير فى انتزاعها منى بعد محاولات كثيرة فى مطلع عام 2011 وتخصيصها لمواد أخرى رأى أنها أكثر ارتباطاً بأخبار الكنيسة، وتحول صفحة الأسرة إلى صفحة أخرى أحزننى كثيراً. التقيت قداسة البابا مرات عديدة عندما كنت من بين الوفد الذى ترسله نقابة الصحفيين لقداسته فى مقره بدير الأنبا بيشوى لنقدم له كارنيه عضويته فى نقابة الصحفيين والذى يحمل رقم 3? وكنا نقضى معه يوماً كاملاً يتفقد بنفسه معنا الدير والمزرعة ومزرعة السمك وكان يغدق الجميع بمشاعر أبوة لاتفرق بيننا وبين زملائنا المسلمين ويجيب على كل أسئلة الصحفيين ويهدى كل منا فى النهاية مجموعة من كتبه الموقعة بخطه ولم تكن الابتسامة والفكاهة والقفشات تفارق وجهه وهو الذى علمنا أنه لا تعارض بين الوقار والقرب من ربنا وبين البشاشة والفرح. وكانت آخر مرة التقيت فيها قداسة البابا شنودة يوم احتفال وطنى بيوبيلها الذهبى إذ كنت مكلفة من رئيس التحرير بتقديم فقرات الاحتفال الذى أقيم على مستوى عال جداً، وبينما كنت أعد كلماتى كنت أقول لزوجى وأبنائى أنا خايفة جداً إنى أقف أتكلم قدام البابا أنا مش ها بص فى عينيه لأن نظراته فيها رهبة وقوة يمكن تربكنى فلا أستطيع أن أتكلم قدام قامته الروحية والفكرية واللغوية العالية .. وكنت أشعر فعلاً بالرهبة من هذا الموقف.. ولكن ما أن بدأ الاحتفال وبدأت أرحب بالضيوف وألقى كلمة افتتاحية، رفعت عينى على استحياء تجاه المائدة التى جلس عليها قداسته، فإذا بى أرى نظرات مشجعة مطمئنة ساعدتنى على انطلاق الأداء.. وربطت الفقرات بكلمات عن مسيرة وطنى وسياستها التحريرية ورسالتها الإعلامية عبر نصف قرن. إلا أن ماكان يشغلنى هو: هل أستطيع أن أقبل يد البابا وأخذ بركته أم أن مسئوليتى فى الحفل ستحرمنى هذه النعمة التى كانت أمنية لكل الحضور؟.. وما أن استلمت شهادة تقديرى من المهندس يوسف سيدهم إلا وهرولت تجاه البابا الذى نظر لى نظرة حانية وقال: أنت بقى نادية برسوم؟ ..أجبت : أيوه ياسيدنا ، ويبدو أنه أراد أن يزيدنى اطمئنانا فقال لى: أنت شاطرة قوى فذاب قلبى داخلى.. والأكثر أنه من شدة تواضعه قال أنت قلتى كل حاجة ماسيبتليش حاجة أقولها??? فقلت ياسيدنا معقول دا قداستكم تخرج جدداً وعتقاً… ألهذا الحد شعر برهبتى من الحديث فى حفل كبير أمام قداسته فأراد أن يبدد خوفى ولكن بكرم شديد جداً جداً؟?… وقع لى على شهادة التقدير فازداد مقدارها عندى أضعافاً مضاعفة.