في شهر فبراير من كل عام, تقوم الحكومة الأمريكية بنشر التقرير الاقتصادي السنوي الذي يقدم للرئيس, والذي عادة ما يشتمل علي عدة خرائط تاريخية عن حالة الاقتصاد القومي الأمريكي, وعادة ما أقوم شخصيا بتنزيلها علي صفحات برنامج ##إكسل##, لاستخلص منها بعض الاستنتاجات التي غالبا ما تكون مهمة وذات دلالة.
وكانت هذه الممارسة التحليلية الاقتصادية علي ##أكسل## تشكل بالنسبة لي نوعا من الرياضة الممتعة, لأن ذلك التقرير كان يبين علي مدي التسعينيات والعقد الأول من الألفية الجديدة, أن الرؤساء الديموقراطيين -في المتوسط- كانوا أكثر ##جمهورية## من الجمهوريين أنفسهم. بمعني أنك -كناخب أمريكي- إذا ما كنت مهتما برفع نسبة النمو في البلاد, وتخفيض معدل التضخم, وتقليص الإنفاق الحكومي, وتقليل الاستقطاع الضريبي, ولم تكن تهتم كثيرا بارتفاع نسبة الفقر, أو بوجود عدد متزايد من الأمريكيين من دون تأمين صحي… وهي كلها مسائل كانت تقترن تاريخيا بالجمهوريين… فإن أفضل رهان لك كناخب أمريكي علي مدي نصف القرن الأخير تقريبا كان هو رهان التصويت من أجل انتخاب رئيس ديموقراطي.
وكان هذا الرهان يفترض -افتراضا زائفا بطبيعة الحال- أن الرئيس هو الذي يتحكم في الاقتصاد وحده من دون أي تدخل أو دور, لا من جانب الكونجرس ولا ##الاحتياطي الفيدرالي##, ولا حتي من جانب قوانين الطبيعة التي تؤثر في البيئة والاقتصاد والإنسان. لكن ذلك الافتراض الزائف ذاته, هو ذاته ما كان يشكل أساس معظم السياسات الرئاسية.
ويمكنك بالتأكيد أن تختلف مع ##أسلوبي المنهجي##, لكنني مع ذلك أستطيع أن أقول بأمانة بأن أي أخطاء مفهومية في علم الحساب تقع مني هي أخطاء عرضية, ولا تحرف النتائج لصالح تفضيلاتي وانحيازاتي السياسية الخاصة. استطيع أن أتعهد بذلك وأنا مطمئن إلي سلامة منهجي.
ومع ذلك كان تفضيلي هذا العام هو تخطي المسألة برمتها لأني كنت أخشي النتائج, وأراها صادمة أكثر مما يمكن تحمله.
وعموما قبل أن تبدأ- ساخطا- في الدفاع عن السياسة المالية الأخيرة التي اتبعها الرئيس أوباما, واعتبار أن إجراءاتها كانت ضرورية لتحقيق التعافي الاقتصادي, دعني أقول لك إنني اتفق معك إلي حد كبير, لكن بشرط أن تتذكر جيدا أن هذه الممارسة تتعلق بالأهداف الاقتصادية للجمهوريين, ومن الذي أدي أداء أفضل من أجل تحقيقها. فهي, أي ممارستي المذكورة آنفا, تفترض أن الحكومة الأصغر -التي تعني إنفاقا أقل, وضرائب أكثر مرونة وانخفاضا, وعجوزات أصغر- تكون جيدة في سائر الأحوال.
ليس هناك طريقة محكمة, لمقارنة الإحصائيات الرئاسية منذ خمسين عاما بالإحصائيات الرئاسية التي نراها منشورة اليوم.
لكن هناك وصفة معينة كثيرا ما أتبعها لتحقيق ذلك, وهي: قياس التغييرات التي تقع كل عام من حيث نصيب كل فرد من الناتج القومي الإجمالي. ثم تخصيص كل سنة للجمهوريين أو الديموقراطيين اعتمادا علي أي الحزبين يشغل البيت الأبيض. ثم أخذ متوسط كافة سنوات الجمهوريين, يليه متوسط كافة سنوات الديموقراطيين, ثم المقارنة بين المتوسطين وتحديد الفارق أو نسبة التباين.
ما الذي يمكننا استخلاصه من ذلك؟ فلنأخذ البطالة مثلا. ما نستدل عليه من الإحصائيات المستخرجة أن التغييرات في نسبة البطالة كانت خلال الخمسين عاما الأخيرة سلبية تحت حكم الجمهوريين, وإيجابية تحت حكم الديموقراطيين.
وفيما يتعلق بأهم إحصاء علي الإطلاق, وهو نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي, فإن النتيجة كانت هي التعادل بين الحزبين. وكان الجمهوريون يكسبون فيما يتعلق بتخفيض الضرائب -لا مفاجأة هنا- أما في تخفيض الأنفاق فكان الديموقراطيون يتفوقون.
وإذا ما وضعنا تلك الإحصائيات معا فسوف نتوصل لنتيجة مؤداها أن أيا من الحزبين لم يكن لديه ما يمكن أن نسميه احتكارا للفضيلة الاقتصادية, حتي عندما يتم تعريف الفضيلة بأكثر العبارات محافظة. وإني لمتأسف علي هذه النتيجة المخالفة للأجواء السائدة… لكن أرقام الاقتصاد لا تكذب.
إم. سي. تي