تبذل حكومة د.عصام شرف جهودا حثيثة تسابق بها الزمن لكي تستعيد مصر عافيتها الاقتصادية وتعوض جزءا كبيرا من خسائر فادحة في الأموال والممتلكات تكبدتها خلال الفترة الماضية من جراء غياب أمني أطلق العنان لمثيري الشغب والفوضي للسرقة والنهب, إلي جانب تعطل عجلة العمل والإنتاج في مختلف القطاعات والأنشطة بسبب احتجاجات واعتصامات من أجل حقوق مالية واجتماعية مشروعة. ولعل السؤال المطروح حاليا وبإلحاح علي كافة المستويات هو: كيف تستعيد مصر توازنها الاقتصادي مرة أخري وبشكل أسرع لتعويض ما فاتها؟ هذا السؤال طرحته وطني علي العديد من الخبراء والمختصين والذين أجمعوا كلهم علي أن مصر قادرة علي استعادة توازنها الاقتصادي وإن اختلفت رؤاهم علي الأساليب والوسائل.
يقول د.سلامة الخولي -الخبير الاقتصادي والمصرفي المعروف-: إن الاقتصاد المصري في الأساس هو اقتصاد ريعي يعتمد علي موارد السياحة والبترول وقناة السويس وأموال العاملين بالخارج. مبينا بصراحته المعهودة أنه لا يوجد اقتصاد حقيقي يرتكز علي الزراعة والصناعة والتعدين. فالاقتصاد المصري كما يري د.الخولي يحتاج إلي نظرة جديدة في كيفية توجيه مساره, موضحا أن الاستقرار الاقتصادي مرتبط بالاستقرار والإصلاح السياسي, مؤكدا ضرورة التركيز علي المستثمر الوطني, موضحا أن قطاع السياحة خسر 1.5 مليار دولار علما أن القطاع يعمل به مليونا عامل مما يفاقم مشكلة البطالة, فضلا عن البنوك والشركات التي خسرت حوالي 4% من القيمة المضافة للشركات.
ويري د.مصطفي النشرتي- وكيل كلية الاقتصاد بجامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا- أن هناك أسبابا اقتصادية وراء تدهور مستوي معيشة المواطن المصري والنهب المنظم للمال العام نتيجة زواج المال بالسلطة وتحقيق مكاسب مادية, كما أن سياسة الخصخصة التي طبقها الحكومة أدي إلي بيع القطاع العام للمستثمرين الأجانب بأثمان قليلة مقابل الحصول علي عمولات ومكاسب شخصية وقيامهم بطرد العمالة المصرية وارتفاع نسبة البطالة, فضلا عن عدم شعور المواطن المصري بعائد التنمية, لأن المستثمر الأجنبي يحوله للخارج وعدم توزيعه بعدالة, فضلا عن ثبات الأجور وارتفاع الأسعار مشيرا إلي أن كل ثورة لها ثمن يدفعه الشعب وهي خسائر يومية يتحملها الاقتصاد المصري, إذ تقدر الخسائر في الاقتصاد المصري بعدة مليارات يوميا فقد تم فقد 12% من الدخل القومي من قطاع السياحة فضلا عن مناخ الاستثمار الذي أصبح غير جاذب نتيجة لعدم الاستقرار, وبناء علي ذلك تم إغلاق المصانع التي يمتلكها مستثمرون أجانب وهذا يعني انخفاض فرص العمل وزيادة معدل البطالة, مؤكدا أن تصنيف الاقتصاد المصري كان متوسط مستقر وأصبح ضعيفا رديئا, وانخفاض هذا التصنيف السالب يؤدي إلي أن مصر لن تستطيع الحصول علي قروض من المؤسسات الدولية نتيجة انخفاض التصنيف الائتماني, وإذا منحت قروض ستفرض عليها فائدة مرتفعة تقدر بنسبة10% نظرا لارتفاع نسبة المخاطر وبالتالي سترتفع تكلفة رأس المال, واستعادة الاقتصاد لتوازنه تتم من خلال إعادة تشغيل المصانع وتوزيع عادل لثمار التنمية ورفع الحد الأدني للأجور والقضاء علي الفساد, مؤكدا أن مصر تمتلك موارد بشرية موضحا أن البنوك المصرية تقوم بتوظيف نصف ودائع المصريين خارج مصر من خلال البنوك الأجنبية التي سيطرت علي الجهاز المصرفي , كما تستحوذ علي ربع المدخرات المصرية لتمويل عجز الموازنة, مشيرا إلي أنه سيتم استعادة الاقتصاد توازنه من خلال الاستغناء عن مليوني جندي أمن مركزي كانا يعملان لحماية النظام السابق ويكلفان خزانة الدولة ما يعادل ما يتم إنفاق علي الصحة والتعليم ويحصلون علي 50% من المرتبات, ويمثل دخل الشرطة ثلاثة أضعاف العاملين, بجهات أخري, مؤكدا أن 7% من ناتج الاستثمارات الأجنبية خرج من مصر نتيجة للفساد وعدم الاستقرار.
ويقول د.شريف قاسم -أستاذ الاقتصاد وأمين عام اتحاد النقابات المهنية-:إن أي تقييم للخسائر الاقتصادية في الوقت الراهن سيكون غير دقيق فهي لم تكن أكثر من خسائر الفساد والرشوة والمحسوبية والاحتكار التي مورست علي الشعب المصري, مؤضحا أن الاقتصاد المصري يمكنه أن يستعيد توازنه من خلال العمل علي سياسية زراعية نعتمد فيها علي غذائنا من الداخل, وسياسة صناعية تشجع الصناعات والمشروعات الصغيرة والمتوسطة ومنظومة للمضان الاجتماعي في العلاج والتعليم والصحة.
ويؤكد د.رشاد عبده -الخبير الاقتصادي أن الاقتصاد المصري لن يستعيد توازنه دون استقرار سياسي- وأنه علي الحكومة أن تتخذ قرارات قوية وسريعة تصب في صالح بيئة العمل المصرية في كافة المجالات.
ويري د.محمود حسين -المدير ببنك الاستثمار العربي سابقا والخبير الاقتصادي- أنه لابد من عمل خطة استثمارية علي المناطق الأكثر فقرا وتوجيه استثمارات تستقطب عمالة فضلا عن التركيز علي الصناعات كثيفة العمالة وصناعات خفيفة لا تبني علي التكنولوجيا المعقدة, مؤكدا العمل علي تنمية الموارد البشرية وأن الخسائر تعالج من خلال جدولة ديون الشركات الخاسرة وتقديم دعم لتكلفة الإنتاج وتأجيل سداد القروض أو فوائدها موصيا المودعين بعدم سحب أموالهم من البنوك حتي لاينهار القطاع المصرفي.
من جانبه يري د.حمدي عبد العظيم الرئيس السابق لأكاديمية السادات -أن الأزمة التي تعرضت لها مصر أسفرت عن خسائر في كافة القطاعات كالبورصة التي بلغت خسائرها 69 مليار جنيه في ظل هروب جماعي للمستثمرين, كما بلغت خسائر قطاع السياحة 1.5 مليار دولار, وأن مشروعات الاتصالات الثلاثة تقدر خسائرها بنحو 10مليارات جنيه, مطالبا بتضافر القطاعين العام والخاص والعمل علي النهوض بالاقتصاد الوطني وتفعيل دور الموارد البشرية وخاصة الشباب والعمل علي حل أزمة البطالة.