أخشي ما أخشاه أن يؤثر تزايد معدل الإعتداءات الآثمة واستفزاز الأقباط المتعمد علي تفاعل الأقباط السياسي ويجعلهم يشعرون باليأس من مستقبل مصر, واليأس هو العدو الأول للأقليات كما يقول مارتن لوثر كنج.
في هذا المقال سوف اقدم نموذجا حيا لأهمية المشاركة الإيجابية في العمل العام رغم كل الظروف المحيطة, هذا المثال العملي هو أنتخابات نقابة الأطباء في الاسكندرية في 14 أكتوبر الجاري.
منذ عقود يسيطر الإخوان المسلمون علي معظم النقابات في مصر ومنها نقابة أطباء الإسكندرية ويعود ذلك طبعا إلي أنهم يشكلون أقلية منظمة في حين أن الأغلبية الصامتة تركت لهم الساحة لينفردوا بها, وفي أنتخابات عام 2011 عمل فريق من الأطباء الأقباط في الأسكندرية علي تحريك الأغلبية القبطية الصامتة لتتسامي علي جروحها بعد مذبحة ماسبيرو وتذهب إلي الانتخابات للتصويت للقائمة المعتدلة, وقاموا بالإتصال بأكثر من 1000 طبيب قبطي لحثهم علي الذهاب للإنتخابات, وسمعوا من البعض كلاما كثيرا منتهي اليأس والاحباط ولكنهم قالوا لهم إذهبوا هذه المرة وجربوا الإندماج في السياسة ولنعتبرها تجربة وليس أكثر.. وهكذا خرج الأقباط بكثافة للتصويت.
الخطوة الثانية توحيد القوائم المستقلة لكي تكون قائمة واحدة, وهكذا تنازل الأستاذ الدكتور عادل عيسي المرشح كنقيب في الأسكندرية لزميله الاستاذ الدكتور محمد رفيق خليل, وكذلك تنازل الدكتور كميل صديق عن الترشيح لغيره.. وبالتالي أمكن تجميع الجهود لتصب في قائمة واحدة.
الخطوة الثالثة التغلب علي العقبات والعراقيل التي وضعها موظفو النقابة, لمضايقة الناخبين المستقلين.. وهذا تم بالإصرار علي ممارسة الحق الإنتخابي.
وأخير جاءت النتائج مبهرة نجح 13 عضوا من قائمة المستقلين بمن فيهم النقيب الدكتور محمد رفيق خليل, ونجح عضوان فقط من الأخوان… وهكذا فقد الأخوان سيطرتهم علي نقابة يحتكرونها منذ سنوات طويلة, بل والأهم رشح فريق الأستقلال سيدة وهي الدكتورة امتياز حسونة للنقابة العامة عن شمال غرب الدلتا ضد واحد من أهم أقطاب الإخوان في الإسكندرية وهو الدكتور محمد البنا, وفازت السيدة علي الإخواني العتيق… وهذا شئ كبير في عرف الإخوان أن تهزم سيدة قطبا إخوانيا معروفا.
والنتيجة هي أن نقابة الأطباء في الإسكندرية كسبت نقيبا فنانا متحضرا وهو الدكتور محمد رفيق خليل عاشق الموسيقي الكلاسيكية ودارسها أيضا ومعه فريق من الشخصيات المعتدلة المحبة للحياة في نقابة تليق بتاريخ مدينة الإسكندرية العريقة.وهكذا رتب النقيب وبسرعة لحفلة موسيقي كلاسيكية في النقابة تعيد إليها بهجتها وجمالها ووجها الحضاري.
بقي أن نقول لكم أرقاما مذهلة توضح خطورة الكسل لدي الأغلبية الصامتة.
في الإسكندرية هناك حوالي 12 ألف طبيب حضر منهم للتصويت 4250 طبيبا فقط (إخوان وغيرهم), ومع هذا استطاعوا هزيمة كتلة الإخوان التي تحضر الإنتخابات عن بكرة أبيها, والسؤال ماذا لو حضر باقي الأعضاء؟.
في القاهرة هناك حوالي 50 الف طبيب منهم أكثر من 12 الف طبيب قبطي, ومع هذا فاز مرشح الأخوان في القاهرة الدكتور سعد زغلول العشماوي بـ1859 صوت, والسؤال أين كان الأطباء الأقباط في القاهرة وماذا لو تحالف الأقباط والمعتدلين من المسلمين وهم كثرة في مواجهة قوائم الأخوان كما حدث في الإسكندرية؟.
مرة أخري الأرقام تتكلم, علي مستوي مصر هناك حوالي 150 الف طبيب لهم حق التصويت منهم حوالي 30 الف طبيب قبطي,هل تعرفون بكم صوت فاز نقيب الأطباء والمرشح علي قائمة الأخوان الدكتور خيري عبد الدايم؟ فاز ب 17253 صوتا فقط, في حين حصل منافسه الدكتور طارق الغزالي حرب علي 9709 أصوات.
ملاحظة هامة: الدكتور خيري عبد الدايم هو أستاذ وطبيب قلب مرموق يعرفه جيدا طلبة كلية الطب , ولا ينتمي إلي الاخوان المسلمين ولكنهم ساندوه فقط كنقيب للأطباء, وهذا أيضا جزء من خبرة الأخوان السياسية وتكتيكاتهم الناجحة.
خلاصة الكلام أن الأخوان وشركاءهم يمثلون أقل من 10% من الكتلة التصويتية ولكنهم يتغلبون علي ال 90% نتيجة عملهم المنظم ونتيجة للتصويت الايدولوجي الجماعي, واعتمادا علي كسل الأغلبية الصامتة وتراخيها.
تجربة الإسكندرية أضعها أمامكم ونحن علي أبواب الإنتخابات البرلمانية, فعزوفنا عن المشاركة معناه أننا نترك الفرصة لقوي معينة للسيطرة علي البلد, في حين أن حضورنا مع قدر من التنسيق مع القوي المعتدلة سوف يجنبنا مخاطر كثيرة ويجعلنا نضع أصحاب المشروع الحضاري لقيادة مصر في الفترة القادمة.
انتخابات مجلس الشعب القادمة مهمة جدا وخطيرة جدا لأن المجلس القادم سيضع الدستور عبر أنتخاب لجنة صياغته, وسيصدر أهم القوانين للمرحلة القادمة… فهل نتحرك قبل فوات الأوان؟.
صوتك في الإنتخابات المقبلة يصنع التاريخ……صوتك بوابة العبورللمستقبل….صوتك قنطرة الأمل…صوتك أمانة في عنقك.. صوتك وزنة من وزناتك التي منحها الله لك….صوتك يبعد المتربصين بمصر…صوتك يساهم في بناء مصر الغد.
لا تخف.. لا تيأس.. لاتتردد, فالنصرة لمن يؤمن بأنه قادر علي ذلك.