يكتسب كتاب المستشار طارق البشري ## الدولة والكنيسة## ,الصادر عن دار الشروق مؤخرا, أهمية مضاعفة هذه الأيام خاصة وأن المستشار البشري صار رمزا من رموز المرحلة بعد تعيينه رئيسا للجنة التعديل الدستوري , وبعد ظهور بصماته علي الكثير من القوانين التي صدرت بعد ذلك عن المجلس العسكري , لم يأت البشري بجديد عما ردده ونشره في الجرائد في السنوات الأخيرة, ولكن هذا ثاني كتاب ضد الأقباط وكنيستهم يكتبه المستشار طارق بعد التحولات الفكرية الخطيرة في أفكاره, وكان الكتاب الأول قد صدر عن دار الهلال عام 2005 بعنوان ## الجماعة الوطنية: العزلة والاندماج##.
الكتاب ملئ بالمغالطات ,فيبدأ المستشار البشري مقدمة كتابه بجملة يتحسس فيها رأسه بقوله ## من يقرأ الكتاب لن يجد تحولا فكريا لكاتبه عما كان عليه عام 1981 عندما كان ينشغل ويكتب في هذا الموضوع##, وهذا الكلام يفضح الحذف والإضافة التي قام بها المستشار البشري علي كتبه القديمة لكي تتسق والتحولات الفكرية الجذرية التي حدثت في حياته وأفكاره.
لن أستطيع طبعا أن استعرض كافة المغالطات التي جاءت في كتاب المستشار البشري ولكني سأقف عند المحطات المهمة.
يعلق الكتاب علي رفض الكنيسة لحكم زواج المطلقين رغم أنها طعنت عليه أمام الإدارية العليا, ويصل بذلك إلي نتيجة خطيرة وهي أن الكنيسة ## خرجت بذلك علي الدولة قضاء وقانونا بما تمثله الدولة من تعبير عن الجماعة الوطنية, وهو خروج علي الشرعية السائدة في المجتمع## (ص12), ولنا علي هذا الكلام الخطير وقفة لشرح ما الشرعية التي خرجت عليها الكنيسة. عندما نعرف العدالة القضائية نقول إنها التطبيق الصحيح للقانون الذي تتوافق عليه كافة مكونات الأمة ويلتزم بحماية حقوق وثقافة الأقليات كما تقررها مقررات الأمم المتحدة,هنا نستطيع أن نقول إن القانون توافقت عليه الجماعة الوطنية وراعت فيه التزامات مصر الدولية, وبخلاف ذلك يفقد القانون شرعيته ويكون مفروضا علي الأقلية ومعبرا عن طغيان الأغلبية, وما يسري علي القوانين يسري علي الدستور الذي هو أبو القوانين, ولهذا كان أمام الكنيسة طريقان اما عدم الذهاب للمحكمة والإعلان عن عدم شرعية القانون ومن ثم العصيان المدني عليه أو الذهاب للمحكمة والطعن علي الحكم حتي اخر درجات الطعن وفي حالة الفشل تمتنع عن التنفيذ كإنذار لعدم شرعية القانون, وهي اختارت الطريق الذي يمنع صدامها مع الدولة وليس العكس.
نأتي إلي قضية مهمة أخري كررها المستشار طارق البشري في كل مقالاته تقريبا التي كتبها في السنوات العشر الأخيرة, وهي مسألة تعداد الأقباط, وقد وضع المستشار البشري سقفا لتعداد الأقباط عند 6%, ولهذا اعتبر سيادته أن تصريحات البابا شنودة لقناة ## او تي في## يوم 26 أكتوبر 2008 بأن تعداد الأقباط 12 مليونا من واقع كشوف العضوية الكنسية, اعتبر هذا التصريح جريمة تستوجب محاكمة البابا ## لأن جهاز التعبئة العامة والاحصاء هو جهاز سيادي ويعتبر الإحصاء والتعداد من الأمور التي تمارسها فقط السلطة العامة باعتبارها شأنا سياسيا لتعلقه بالشعب المصري في كل أنشطته وأوضاعه, ويفرض عقابا جنائيا علي من يمارس إحصاء عاما بشكل أهلي وبغير ترخيص من السلطة العامة## (ص19).
من الذي قال إن عضوية الكنيسة تمثل خروجا عن القانون رغم أنها معروفة في كافة كنائس العالم , وحتي ولو كانت خروجا من وجهة نظر الكاتب يظل السؤال ماذا إذا كانت المؤسسات تعبر عن طغيان الأغلبية وتحجب العدد الحقيقي لأقباط مصر؟, ثم ماذا تقول للأستاذ محمد حسنين هيكل الذي صرح في حواره مع الفنان عمرو واكد علي قناة ## أون تي في ## بأن تعداد الأقباط لا يقل عن 20% من تعداد سكان مصر, وهي أرقام تفوق تقديرات البابا, واظن أن الأستاذ هيكل بحكم اقترابه الشديد من السلطة في عهد الرئيس عبد الناصر أدري بالتعداد الحقيقي لأقباط مصر.
ننتقل إلي قضية أخري أكثر خطورة حيث يدعي المستشار أن هناك مليشيات قبطية, ولم يجد غضاضة في الاشارة إلي مواقع الكترونية قبطية مثل ## الأقباط الاحرار##, و## صوت المسيحي الحر## ليعتبرها نموذجا لهذه المليشيات!!, بل وصل الأمر إلي اعتباره أن مهرجان الكرازة الذي يشرف عليه الأنبا موسي أسقف الشباب جزء من هذا العمل المليشياوي!! (انظر صفحتي 23و24).
نعرج علي موضوع آخر في الكتاب وهو طلبه رقابة الجهاز المركزي للمحاسبات علي أموال الكنائس, وهو يقول ## لقد كتبت من قبل أطالب بتطبيق القانون فيما يتعلق بالرقابة المالية التي يتعين أن يمارسها الجهاز المركزي للمحاسبات علي الشئون المالية للكنيسة المصرية بحسبانها من الهيئات العامة حسبما يستقر الفهم القانوني والفقهي والقضائي في مصر##(ص 51). في الحقيقة لم افهم هذا الطلب, كما أعلم أن الجهاز المركزي للمحاسبات يراقب ماليا مؤسسات الدولة والحكومة, أي المؤسسات التابعة للسلطة التنفيذية والتشريعية والقضائية باعتبار الدولة تتكون من هذه المؤسسات الثلاث ثم مؤسسات القطاع العام وما في حكمها باعتبار أن خسائرها أو ارباحها تصب في الميزانية العامة للدولة, فأين موقع الكنيسة من هذا كله؟. الكنيسة ليست من مؤسسات الدولة وليست من تركة القطاع العام وأنما مؤسسة دينية قائمة علي تبرعات أعضائها, وهي ملزمة كمؤسسة أن تقدم حساباتها لهؤلاء الأعضاء, فما دخل الجهاز المركزي الذي يشرف علي بنود الميزانية العامة للدولة في هذا؟. لقد افتي مجلس الدولة بأن الكنيسة هيئة عامة ولكن المستشار البشري يريد أن يحولها إلي هيئة من هيئات الدولة مما يستوجب رقابة الجهاز المركزي علي مالياتها.
إن المؤسسات الإسلامية تمول بمئات الملايين من ضرائب المصريين مسلمين وأقباطا, في حين أن الكنائس المصرية تقوم علي تبرعات ابنائها في الداخل أنها تجلب لمصر عملة صعبة من تبرعات أبنائها في الخارج إن الكنيسة قائمة علي تبرعات أبنائها ولا تحصل علي مليم واحد من الدولة!!.
ولا يكتفي سيادة المستشار بالمطالبة بمطاردة اموال الكنائس ولكنه يريد أيضا مراقبة كل ما يجري داخل الكنائس مبررا ذلك بقوله ##إذا كانت الولايات المتحدة الأمريكية تدعي لنفسها الحق في مطالعة برامجنا التثقيفية تعليمية كانت أو إعلامية أو علمية أو دينية أفلا يكون من حق الجماعة الوطنية في مصر أن تطالع وتنظر فيما يتثقف به جمهور ذو اعتبار من مواطنيها في كنائسهم؟ ألا يحق لها أن تعرف كيف تتربي نظرة القبطي المصري تجاه الآخر المصري##(ص43), وهو هنا يقصر الجماعة الوطنية علي المسلمين, ولكن السؤال من قال لك إن الكنائس لا تراقب من الأجهزة الأمنية؟ والسؤال الأهم هل الأقباط متهمون بالإرهاب المحلي أو الدولي حتي تبرر مراقبتهم رسميا؟.
الحقيقة أن المغالطات لا تنتهي في الكتاب, ##فالأديرة تتوسع في حيازة الأراضي الصحراوية أو المستصلحة وضمها اليها في نطاق أسوار الدير##(ص28), و## الكنيسة حريصة علي الاستحواز علي أراضي واسعة وضمها للأديرة## (ص34), وتعلية أسوار الأديرة ليس لمنع التسلق ولكنه لمنع الرؤيا!! (ص33), ## والكنيسة مؤسسة وطنية يشارك في تشكيلها أجانب## (ص52), معتبرا أن الأقباط في الخارج أجانب علي مصر!!!., ##وأن الكنيسة تورطت في تأكيد الخصومة مع عدد من أجهزة الدولة## (ص21).
نكتفي بهذا القدر من المغالطات التي يضم الكتاب منها الكثير!!!