##لأنه يولد لنا ولد ونعطي ابنا وتكون الرياسة علي كتفه ويدعي اسمه عجيبا مشيرا إلها قديرا أبا أبديا رئيس السلام## أشعياء 9: 6
انقطعت صلة الأرض بالسماء, وغشي الأرض ظلام حالك, وأخذت البشرية تئن من وطأة نير الخطيئة الذي يثقل كاهلها, وصارت الإنسانية تتمخض في ألم في انتظار المخلص. وعندما اكتمل وقت مخاضها, وفي ملء الزمان, أرسل الله كلمته ليقدم الجواب الذي طال انتظاره. واليوم مثل الأمس تبحث الإنسانية عن من يخلصها فلا تجده, مع أنه عن كل واحد ليس ببعيد لأنه به نحيا ونتحرك ونوجد (أعمال17: 28). فاسمه يسوع لأنه يخلص شعبه من خطاياهم (متي 1: 31).
يواجه كل إنسان مخلص في هذه الحياة أسئلة مصيرية صعبة تقلقه وتجعله يتساءل أين الجواب؟. فعندما ينظر حوله ويراقب بني البشر ويري الصالح منهم والطالح يتساءل: ما الذي يقود البعض إلي الخير وما الذي يدفع البعض الآخر إلي الشر؟ وعندما ينظر داخله ويري حالة القلق وعدم الاستقرار والخوف مما يخبئه الغد يتساءل: هل من وسيلة للحصول علي السلام الداخلي وسط حياة مليئة بالمخاوف؟ وعندما يتحول نظره إلي ما بعد الحياة ويفكر في المصير الأبدي ويدرك أنه أمام أبدية لا نهاية لها, يتساءل: أين سيكون مصيري؟ وهل هناك طريقة تضمن لي الحياة الأبدية السعيدة مع الله بعد الموت؟
كل هذه الأسئلة أجاب عنها السيد المسيح وأعطانا لها بنفسه التأكيد والضمان. نحن لا نعتمد في هذا علي ظنون أو أوهام, كما لا نعتمد علي تمني أو أمل. ولكن نعتمد علي وعد من المسيح نفسه. والسيد المسيح يملك الضمان لأنه يملك قدرات تفوق ما لبني البشر. فالسيد المسيح ولد بطريقة معجزية دون زرع بشر. وكل إنسان نغزه الشيطان إلا هو فقد عاش بدون خطيئة. وفي حياته كان يجول يصنع خيرا ويشفي جميع المتسلط عليهم إبليس. وفي النهاية قدم نفسه فداء للبشرية ليعطيهم الخلاص من الخطيئة. وصعد إلي السماء وسيأتي مرة أخري ليأخذنا إليه.
ولم يكن السيد المسيح مجرد إنسان بل كانت له صفات تفوق ما للبشر. شفي المرضي وخلق عيونا للمولود أعمي وأقام الموتي ومشي فوق الماء وغفر خطايا المرأة الزانية وأشبع الآلاف بخمسة أرغفة وسمكتين. وكان دائما يعطف علي الخاطيء والضعيف والمسكين ولكنه كان عنيفا ضد المرائين من رجال الدين اليهود المتمسكين بقشور الدين والذين وصفهم أنهم يحملون الناس أحمالا ثقيلة ولكنهم لا يحركونها بأصبعهم. الذين كانوا يثقلون علي الناس بحفظ وصايا وشعائر وطقوس من صنع الإنسان ويتركوا جوهر العقيدة وهي الرحمة والمحبة والإحسان.
جاء السيد المسيح لنا برسالة السلام. فقبل مجيئه تنبأ عنه في العهد القديم أنه يدعي رئيس السلام. وفي ليلة مولده تغنت له جوقة من الملائكة منشدة: المجد لله في الأعالي وعلي الأرض السلام وبالناس المسرة. وقبل أن يغادر عالمنا ترك لنا ميراثا ثمينا وهو السلام قائلا : سلاما أترك لكم سلامي أعطيكم, ليس كما يعطي العالم أعطيكم أنا. وأكد لنا قائلا: أنا أمضي لأعد لكم مكانا ومتي مضيت وأعددت لكم مكانا آتي أيضا وآخذكم إلي وحيث أكون أنا تكونون أنتم أيضا. ونحن في انتظار أن يأتي إلينا مرة أخري لينقذنا من آلام هذا العالم ويختطفنا معه إلي السماء حيث نكون معه إلي أبد الآبدين.
قدم لنا السيد المسيح تعاليما سامية وأخلاقيات عالية. وربما يمكن ملاحظة هذا بدرجات متفاوتة علي من يسمون أنفسهم مسيحيون. بينما هناك البعض ممن يسمون أنفسهم مسيحيون لا يعيشون هذه المباديء. وذلك لأنه ليس كل من يسمي نفسه مسيحيا هو مسيحي حقيقي. المسيحية الحقيقية لا يحصل عليها المرء بالوراثة عن طريق ولادته من أبوين مسيحيين. ربما عن هذا الطريق يحصل الإنسان علي اسم ومظهر المسيحية وبعض مظاهرها الخارجية التي لابد أن تتبخر أمام الضغوط الخارجية. ولكن المسيحية الحقيقية هي علاقة شخصية بالمسيح الحي عن طريق قرار يتخذه الإنسان مع نفسه ومع الله بالتوبة عن خطاياه وقبول السيد المسيح داخل حياته ليسكن فيه بالإيمان ويكون هو المحرك لحياته وإذ يتعمد يصبر الإنسان مولودا ميلادا جديدا وواحدا من أولاد الأب السماوي. وكطفل في الإيمان يكون أمامه الطريق لينمو في الإيمان كلما التصق أكثر بالمسيح وأخذه مثالا ليقتدي به في كل خطوات حياته.
الحياة المسيحية التي جاء بها السيد المسيح ليست استعبادا لطقوس أو قوانين يجب مراعاتها لو أغفلنا منها شيئا رسبنا في الامتحان وضاع أملنا إلي الأبد. المسيحية ليست قائمة بالحلال والحرام لا يجب أن يحيد الإنسان عنها وإلا أغضب الله. المسيحية هي حرية في المسيح. هي الرغبة في عمل الصلاح لأنه جزء من طبيعتك وليس لأنه فرض لا خيار لك فيه. في المسيحية ليس هناك اضطرار للحج إلي مكان ما. ومع أن هناك أصواما تحددها الكنيسة ولكنها ليست فرضا. والصلاة ليست محددة بمواعيد ثابتة أو كلمات محفوظة بل هي تواصل مع الله. والعطاء ليس بشروط أو إلزام بل حسب الطاقة وعن طيب خاطر. والمطلوب من النساء أن تلبس ملابس الحشمة ولكن ليس هناك قواعد ومقاييس لها وما ييجب أن تغطيه من الجسم وما لا يجب أن تكشفه. كل هذه متروك لتقدير الإنسان وظروفه وتقاليد المجتمع الذي يعيش فيه.
علمنا السيد المسيح أن نتعامل مع الناس بالمحبة حتي مع من يظهرون لنا العداء كما قال السيد المسيح : أحبوا أعداءكم باركوا لاعنيكم أحسنوا إلي مبغضيكم وصلوا من أجل الذين يسيئون إليكم ويطردونكم. لكي تكونوا أبناء أبيكم الذي في السموات فإنه يشرق شمسه علي الأشرار والصالحين ويمطر علي الأبرار والظالمين (متي 5: 44- 46).
كما علمنا أن نكون مواطنين صالحين نطيع الحاكم وننفذ القوانين الوضعية وندفع الضرائب المستحقة علينا ونزود عن الوطن ونراعي الجيرة والمواطنة.
وعلمنا أن الدين هو اختيار شخصي لا إجبار فيه من أحد. لك أن تقبله ومن حقك أن ترفضه لا يوجد في هذه الحياة تهديد بالقتل لمن يرفض المسيحية ولا تقدم إغراءات لمن نريده أن يقبلها. المجازاة هي عند الله وبعد أن تنتهي هذه الحياة.
ولعل أهم شيء علمنا إياه السيد المسيح أن الله أب محب يحبنا ويهتم بنا ويريد خيرنا وليس إلها مخيفا مرعبا ينتظر الفرصة حتي نخطيء لكي يعاقبنا في هذه الحياة أويعذبنا في القبر أو يفرح عندما يطرحنا في النار في الحياة المقبلة.
قد نبحث هنا وهناك عن الجواب ولكننا لن نجده إلا عندما نقترب من الله. حقا قد قال القديس أوغسطينوس: لقد خلقتنا يا الله لذاتك ولن تجد قلوبنا راحتها إلا لديك.
شكرا يا إلهي من أجل عطيتك التي لا يعبر عنها.. يسوع المسيح الذي هو هدية الميلاد من الله للإنسان.
[email protected]