رغم أن قانون الأحزاب يحظر علي أي حزب مصري تلقي أي تمويل أجنبي كما أنه يفرض علي الأحزاب أن تفصح عن مصادر تمويلها, إلا أن بعض الشواهد في الممارسة الحزبية تشير عكس ذلك ويأتي التخوف من التمويل السياسي للأحزاب كونه يعمل علي فتح الباب أمام التدخل الأجنبي في الشئون الداخلية.
القانون يحظر التمويل الأجنبي
قال المستشار أحمد مكي رئيس محكمة النقض السابق قانون الأحزاب المعدل لسنة2011 في المادة 25 يحظر التمويل من جهات أجنبية وخارجية ويعاقب بالحبس كل مسئول في حزب سياسي أو أي أعضائه أو العاملين به قبل أو تسلم بطريقة مباشرة أو بالوساطة مالا أو حصل علي ميزة أو منفعة بغير وجه حق من شخص اعتباري مصري لممارسة أي نشاط يتعلق بالحزب ولايجوز قبول أي تبرع أو ميزة أو منفعة من أجنبي أو جهة أو أجنبية والحصول علي المال أو الميزة من أجنبي أو أية جهة أجنبية تقضي المحكمة في جميع الأحوال بمصادر كل ما يكون متحصلا من الجريمة, كما يلزم القانون الحزب بأن يخطر الجهاز المركزي للمحاسبات بما تلقاه من تبرعات وبالبيانات الخاصة بالمتبرعين.
أوضح أن موارد الحزب تتكون من اشتراكات الأعضاء وتبرعات الأشخاص الطبيعين المصريين وكذلك حصيلة استثمار أمواله في الأوجه غير التجارية التي يحددها نطاقه الداخلي ولا تعتبر عن الأوجه التجارية في حكم هذه المادة استثمار أموال الحزب في إصدار صحف أو استقلال حق النشر إذا كان هدفها الأساس خدمة أغراض الحزب.
ضرورة تحديد النظام المالي
ومن جانبه أكد المستشار عبدالله قنديل رئيس نادي القضاة إن قانون الأحزاب رقم 40لسنة 1977 المعدل بعدة تعديلات آخرها مرسوم القانون رقم12لسنة 2011 في المادة الخامسة ينظم النظام المالي للحزب وتلزم الحزب بأن يقدم النظام الداخلي مشتملا علي عدة أمور من ضمنها أن يحدد النظام المالي للحزب تحديدا شاملا يحدد الإيرادات والمصروفات.
وأشار إلي أن المادة 11تنص علي تكوين موارد الحزب من اشتراكات الأعضاء أو الأشخاص الطبيعيين وتنص علي عدم قبول تبرعات من أشخاص طبيعيين أجانب أو أشخاص اعتبارية أجنبية والمادة 11حظرت علي الحزب قبول أية تبرعات أجنبية مؤكدا أن المادة 25 من ذات القانون تعاقب بالحبس كل مسئول في حزب سياسي أو أي من أعضاء العاملين به قبل أو تسلم مباشرة أو بالوساطة مالا.
وتلقي الأحزاب لهذه الأموال يعتبر محاولة للاستقواء بعناصر خارجية علي أبناء الوطن والتأثير علي الناخبين وهذه جناية أو جنحة طبقا للمادة 25 من قانون الأحزاب ويعتبر إخلالا بالتزام أخلاقي لأن الحزب عبارة عن مجموعة من الأشخاص تقوم علي مصلحة الوطن وتعمل علي المساهمة في تحقيق التقدم السياسي والاجتماعي والاقتصادي للوطن علي أساس الوحدة الوطنية والسلام الاجتماعي والاستقواء بالخارج علي الداخل يعتبر إخلالا بهذه المبادئ وذلك مرفوضا من الناحية القانونية والأخلاقية.
أكد السفير جمال بيومي أمين عام المشاركة المصرية- الأوربية بوزارة التعاون الدولي:
الدول التي تقدم مساعدات في شكل تدريبات لحقوق الإنسان وتمويل مرشحي الأحزاب أمر مرفوض, مشددا بالتجربة مع الوفدية فحزب الوفد الجديد لم يتلقا تمويل من الحكومة كي لا يعمل لصالحها أو تحت سيطرتها والجهات المانحة دائما لاتقدم مساعدات سوي لتحقيق إملاءات ومصالح خاصة بها والمساعدات الخارجية مساعدات في إطار مصالح خاصة.
قال أكد السفير عبدالله الأشعل مساعد وزير الخارجية السابق وأستاذ القانون الدولي بالجامعة الأمريكية:
قانون الأحزاب يحظر التمويل الأجنبي وأن الحزب الذي يتقاضي تمويلا أجنبيا يلقي وجوده قانونيا مؤكدا أن تقاضي بعض الأحزاب أموالا من الخارج يعمل لصالح الجهات المانحة وليس لصالح الديموقراطية أو الليبرالية أو الشعب مطالبا الحكومة بتنقية الساحة السياسية من هذه الأحزاب بالإضافة إلي أن هناك أحزاب تمول من غسيل الأموال وتقوم بتمويلها شخصيات معينة كي تدافع عنها هذه الأحزاب فيما بعد, مؤكدا أن الجهات المانحة لاتهدف إلي تدعيم الديموقراطية ولكن تريد أن تكون عملاء لها, فضلا عن وجود محاولة لاختراق النظام الجديد لمصر لضمان مصالح الدول المانحة لهذا التمويل كما طالب الحكومة بمراقبة التمويل حتي إجراء الانتخابات بشكل عام.
ومن جانبه انتقد طلعت السادات رئيس حزب مصر القومي الأحزاب التي تتقاضي أموال من الخارج والتي ثبت أسماؤهم من قبل الأجهزة الأمنية والتعاون الدولي والذين يطالبوا بتطبيق الشريعة الإسلامية مطالبا بالبدء في تطبيق الشريعة الإسلامية عليهم أولا مؤكدا أن قطر منحت جمعيات وأحزاب 180 مليون دولار, وانتقد السادات السياسة الداخلية للحكومة متهما الحكومة بسماحها بكل هذه التجاوزات موضحا أن قانون الأحزاب يحظر التمويل الأجنبي وأيضا رفع الشعارات الدينية والقانون لاينفذ ولايطبق وكل هذه القوانين مهمشة.
وقال الدكتور رشاد عبده
أستاذ الاقتصاد بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية جامعة القاهرة وخبير الاقتصاد الدولي مسألة التمويل الأجنبي لمنظمات المجتمع المدني وكذلك الأحزاب السياسية في منتهي الخطورة, لأن الجهة المانحة والمقدمة لهذه الأموال لابد وأن يكون لها هدف أو مقابل, فما المطلوب مقابل هذه الأموال فإذا أخذنا التمويل من قبل منظمات أمريكية مثلا فالمقابل هو خدمة إرادة أمريكا في المقام الأول, حيث إن العديد من الجهات والمنظمات المتلقية لهذا الدعم تحمل خدمة مقدم التمويل في عدة أشكال منها كتابة التقارير المفبركة والمتحيزة وأحادية التناول والتركيز, كما دخلت وسائل الإعلام المرئية والمقروءة أيضا دائرة تلقي الأموال والدعم الأجنبي, ونحن علمنا ذلك بعد أسابيع من اندلاع الثورة فأصبح هناك العديد من القنوات الفضائية التي تحعمل في فلك هذا التمويل وكذلك صحف ومجلات, والخطورة هنا تكمن في أن وسائل الإعلام تستطيع أن تشكل الرأي العام, خاصة وأن منها ذي علاقة وثيقة بالأحزاب السياسية وبالتالي سيكون لها دور كبير في توجيه الحملات الانتخابية.
تشجيع تيار علي تيار آخر
بينما أوضح الدكتور مختار الشريف الخبير الاقتصادي أن مسألة التمويل الخارجي للأحزاب والحملات الانتخابية شئ يصعب إثباته في كثير من الحالات, لكنه موجود وهناك دلائل وشواهد عديدة تدل علي ذلك مثل أحزاب تصرف بشكل شديد البذخ وكذلك بعض الأفراد المنتمين لحزب معين, وكثيرا ما يدفعنا ذلك للتساؤل عن مصادر هذه الأموال هل هي اشتراكات وتبرعات أتت للحزب كما هو معلن, أم أن الأمر ينطوي علي تمويلات أجنبية؟ولماذا لهذا الحزب بالذات, أو لمجموعة أحزاب ذات توجه مشابه؟
استطرد الشريف قائلا: أخطر مافي هذه المماراسات هو تشجيع تيار علي حساب تيار آخر, فقد تكون شعبيته ليست بالكم أو القوي التي يصور أصحابها وجودها في الشارع, وبالتالي الأمر هنا ينطوي علي تشويش للإرادة السياسة, وتصبح المنافسة علي المال وليست علي برامج سياسية واجتماعية واقتصادية حقيقية وللأسف كشف هذه الوقائع يصعب.
التمويل…التبرع…والإضرار!!
وأشار الدكتور سامر سليمان أستاذ الاقتصاد السياسي بالجامعة الأمريكية إلي أن الأصل في تمويل الأحزاب يتوقف علي اشتراكات وتبرعات الأعضاء, لكنه اقترح أن يتم الأخذ بتجربة تمويل الأحزاب السياسية من قبل الدول نفسها حيث قال: مسألة تقديم الدولة تمويلا للأحزاب والحملات الانتخابية يضمن ويؤمن أموالا وطنية بعيدا عن التمويل الأجنبي الذي نعلم جميعا أضراره علي العملية الانتخابية, وتعتبر الدنمارك من الدول التي تأخذ بهذا النظام كما أنه علي المدي الطويل يجعل التنافس السياسي علي رأس المال أقل.
أضاف قائلا: الجو السياسي أصبح مسموما ويتسم بالتشويش والتخوين, خاصة مع الكشف عن أن الأحزاب الإسلامية تتلقي تمويلا من السعودية وقطر وغيرهما, وهذا وضع غير صحي لكن تمارس فيه أنشطة سياسية ذات جدوي عامة لذلك يجب أن تفرض رقابة من قبل الدولة تقوم علي أسس قانونية تطبق علي الجميع دون استثناء وبشكل واضح ومنظم. مشيرا إلي أن السلطة الحالية يجب ألا تكتفي بالإعلان عن أن هناك جهات أو حركات ما تتلقي تمويلا خارجيا وإنما يجب أن يكون لها دور محاسبي حقيقي.
وعن تأثير مثل هذه التمويلات أوضح د. سليمان أنها شكل من أشكال الفساد السياسي ولكنها ذات تأثير محدود علي الاقتصاد, إلا من جهة انحرافات في المعادلة السياسية وبالتالي قد تنعكس علي القوانين والتشريعات الاقتصادية مؤكدا أيضا أن مسألة احتصار الحزب علي اثنين أو ثلاثة من رجال الأعمال تعتبر ظاهرة غير صحية تقف عند المصالح الفردية الضيقة دون العامة.