دائما يستدعي عيدأحد الشعانينداخلي ذكريات الطفولة,حيث كنت أنتظر هذا العيد بلهفة شديدة وكلما اقتربت أيامه تزايدت سعادتي …فكم كانت فرحتي عندما يدخل والدي ليلة أحد السعف حاملا معه عدة فروع من قلب النخيل الأبيض لنجلس أنا وأخي مقدمين له قائمة طلباتنا من مشغولات النخيل,فنريد أولا الصليب ثم جراب القربانة ثم الجحش الصغير,فضلا عن الحزام والتوكة ونسهر طوال الليل مفترشين الأرض بالمشغولات السعفية,ونتابع مع أبي خطوة بخطوة طريقة الجدل وهو يعلمنا أن السعف الجيد هو الأبيض العريض الورق اللين غير الجاف….وكم تضاعفت سعادتنا عندما نجتمع مع عدد أكبر مع الأهل أو الجيران.
وفي الصباح الباكر نذهب إلي الكنيسة…كل يزهو بالسعفة المشغولة التي يحملها في يده,والتي تحمل بصمته الخاصة وفن أسرته وكم تبارينا في تجميلها بالورود خاصة القرنفل,وكنا نبدو كما لو كنا في حد ذاتنا سعفة متنقلة من كم الخواتم والتوك والطراطير المشغولة من السعف….وعلي سلم العمارة يقابلنيعمو جمعةجارنا مبتسما مهنئا بالعيد قائلا عبارة سنوية ثابتة:لا تنسي سعفة عمو جمعة دي بركة في بيتي طوال العام…فأرد مهرولة:حاضر يا عمو وعند عودتي أسلمه ما طلب.كم حذرتنا والدتي بلطف من الانشغال بالسعف وقت الصلاة,وعلمتنا أن شغل السعف لا يكون إلا ليلة الأحد موضحة أن السعف رمز لتمهيد قلوبنا لاستقبال السيد المسيح ملكا عليها…وكنا نسمع كلامها ليلة الأحد بينما نشم رائحة الكعك التي تملأ أرجاء المنزل…فإنه آخر يوم يمكنها إعداد الكعك والبيت فور والغريبة والبسكوبت قبل استقبال أسبوع الآلام.
عندما كبرنا وكوننا أسرنا الصغيرة حاولنا نقل التراث نفسه لأطفالنا فتقاليد أحد السعف تستحق الحفاظ عليها ونقلها من جيل إلي جيل ,ولكن إيقاع الحياة تغير وثقافة التيك أواي نالت السعف أيضا ومال الكثيرون لشراء السعف المشغول الجاهز من أمام باب الكنيسة صباح الأحد,وفضل أبناؤنا تبادل الرسائل الإلكترونية علي الموبايل والإنترنت تحمل أشكال سعف النخيل ورغم استمتاعهن بهذه الوسائل التكنولوجية الحديثة إلا أنها بالنسبة لي كالدجاج الأبيض أو سمك المزارع أو فراولة الصوبات الزراعية…شكل بدون نكهة أو قيمة حقيقية.
ليت كل أسرة تبذل جهدا أكبر في الحفاظ علي تراث أحد الشعانين,فالدفء الأسري في ليلة هذا العيد والتجمع حول أغصان النخيل قد يعوض بعضا مما فقدته أسرنا علي مدار العام…وكل عام وأنتم جميعا بخير.
n.barsoum @yahoo.com