وقعت جريمة شنعاء في منطقة لها تاريخ طائفي مرير وهي منطقة الزاوية الحمراء ولولا تكاتف كهنة وشيوخ المنطقة ليكونوا حائط صد منيع لانفجرت الأزمة إلي حد العقاب الجماعي مثلما حدث في أطفيح.
الجريمة باختصار كانت اعتداء جنسي من رجل في سن الأربعين علي طفلة في الرابعة من عمرها.. جريمة بشعة بكل المقاييس حتي لو لم تفض إلي الاغتصاب الكامل ورغم أن التقرير الطبي أثبت أنها سليمة ولكن ترك التعدي ومحاولة انتهاك البراءة آثاره علي جسد الطفلة البرئ الطاهر.. كل إنسان يتمني أن يلقي بمثل هذا الجاني في نار جهنم إلا أنها في النهاية جريمة لها عقاب مشدد في أحدث قانون أصدره الحاكم العسكري بخصوص التحرش الجنسي والاغتصاب يصل إلي 15 سنة سجن.
الوضع الطبيعي عندما يحدث ذلك في دولة حقيقية فيها سيادة للقنون أن يسلم الجاني إلي القضاء لينال عقاب جريمته, أما ما نعيشه في هذه المرحلة فمختلف خاصة أنه في كل قضية يصنف كل من الجاني أو المجني عليه حسب ديانته!! ولأن الجاني مسيحي والضحية مسلمة وهيبة الدولة غائبة والكلمة العليا للبلطجية فكان احتواء هذه الأزمة يستحق التقدير.
فبسرعة اجتمع القمص جرجس نصر راعي كنيسة مارجرجس بالمنطقة مع أئمة عدد من المساجد في مسجد النذير الواقع في منطقة الجريمة في جلسة صلح لم تتخذ أسلوب الطبطبة وتبادل القبلات أو تقبيل الرأس وإنما أسلوب المواقف الحاسمة فاتفقوا أولا أن يسلم الجاني للجيش وقاموا فورا بذلك إلا أنهم علي جانب آخر حاولوا امتصاص غضب الآلاف الذين سرعان ما احتشدوا في الشارع مهددين بالانتقام من كل المسيحيين, فاتفقوا علي تغريم أهل الجاني 25 ألف جنيه لأهل الضحية وأن يبيعوا العقار الذي يمتلكونه بسعر السوق وليس بالاستغلال البخس وأعلن شيخ المسجد ذلك في الميكروفون ورضي الناس بذلك وانفضوا منتظرين حكم المحكمة.
طبعا ما حدث لامتصاص الأزمة ليس مثاليا وإنما هو حكمة عززتها رغبة صادقة من كهنة وشيوخ المنطقة منذ اندلاع الثورة أن يكونوا فعلا يدا واحدة لدرء أية فتنة وشكلوا ما يشبه لجنة الحكماء تضم رجال دين مسيحيين ومسلمين وعلمانيين ذوي خبرة لحل المشكلات واشتركوا في ذلك عدة مرات بين متنازعين من ديانة واحدة فكان هذا الرصيد من القبول للآخر درع الأمان لدرء الفتنة ونجحت الزاوية الحمراء في اختبار الوطنية.
[email protected]