عندما قامت ثورة يناير ظهر ارتياح مجتمعي عام لحالة الانصهار بين المصريين مسلمين وأقباطا.. حالةلم يفتعلها أحد, وإنما ظهرت بنقاء تجلي منطلقا من روح ميدان التحرير إلي كل شارع وحارة مصرية وكانت أول ثمار الثورة.
إلا أن ما حدث في أطفيح من هدم للكنيسة وتهجير للأسر المصرية المسيحية أعاد الذكريات السوداء وكشف أن هناك احتقانا طائفيا لا يزال ينقح في النفوس المريضة بالطائفية.
شئ مريع ومخيف أن تجد الأسر نفسها في الشارع, مجبرة, مطرودة, ومهجرة قهرا من بيوتها رجالا ونساء وأطفالا.
إلا أن أهل كنيسة أطفيح عندما أرادوا أن يعبروا عن غضبهم مما حدث لم يتوجهوا لفناء الكاتدرائية كما عهدنا في أحداث مشابهة ضربت الجسد المصري.. وإنما عبروا عنه أنفسهم كمواطنين مصريين لهم حقوق في وطنهم الذي انتفضوا من أجل حريته منذ عدة أيام في ميدان التحرير جنبا إلي جنب مع شركائهم في الوطن واختلطت دماؤهم معا.. لم يدعوا إخوتهم المسلمين ليشاركوهم المظاهرة من أجل حقهم في العبادة وفي السكن الآمن.. بل انتفض إخوتهم ثائرين لأجلهم مؤمنين بقضيتهم داعين ومطالبين معهم بإعادة بناء كنيستهم, كما فتح التليفزيون المصري قنواته -وإن تأخر- للتعبير الحر عن فضية أهل أطفيح وكأنه يقدم من خلال برامج التوك شو عربونا لعهد جديد بين الأقباط وتليفزيونهم المصر المملوك لهم كمصريين لأنه يمول من ضرائبهم.
ومرة أخري يظهر وعي الشباب المتظاهر أمام ماسبيرو بأن الوعود وحدها لا تكفي وأن القرار العسكري الرسمي ضرورة لابد أن يعقبها تنفيذ علي أرض الواقع.. ربما لم نره حتي كتابة هذه السطور!!
الجريمة التي حدثت في كنيسة أطفيح تجسد مرة أخري أن العلاقات العاطفية المنحرفة بين طرف مسلم وطرف مسيحي بيئة خصبة لانفجار الاحتقان الطائفي الذي يترتب عليه عقاب جماعي علي خطأ فردي مما يؤكد الحاجة إلي إعادة صياغة الوجدان المصري من خلال إعلام وتعليم وخطاب ديني مستنير.. وآليات تضمن حقوق المصريين الأقباط في بناء دور العبادة.. مفردات تكررت كثيرا ولكن مصر بعد الثورة جاهزة ومستعدة لها.. فلماذا التأخير؟!
[email protected]