بعد أن وقع حادث الإسكندرية الأليم,ليلة رأس السنة الميلادية الجديدة,والمجتمع المصري بأقباطه ومسلميه في حالة عامة من حالات الحزن والغضب مما حدث.. امتلأت النفس بالمرارة والأسي,فضلا عن حالة الاستياء الشديد والاستنكار الوطني والرفض العام لذلك الحادث الغاشم الذي راح ضحيته مجموعة من الأبرياء الذين اتفقنا بإجماع وطني علي اعتبارهم شهداء.
تلقيت العديد من الرسائل عبر البريد الالكتروني والتليفون المحمول فضلا عن عدد من المكالمات التليفونية,وكانت كلها بغرض التعزية والمواساة والتأكيد علي أن ما حدث أصاب الجميع بالحزن,من أصدقاء وأشقاء في الوطن الذي يجمعنا جميعا علي أرضه,حيث نشكل سويا شركاء الوطن كما نشكل ما اصطلح علي تسميته بالجماعة الوطنية المصرية.
ولعل من أبرز هذه المكالمات التليفونية التي تلقيتها والتي أثرت في كثيرا مكالمة رقيقة ومعزية تلقيتها من الدكتورة لطيفة محمد سالم أستاذة التاريخ الحديث والمعاصر ,حيث كانت في حديثها غاية في الرقة والسماحة واللطف وهياسم علي مسميكما نقول في المثل العامي المصري إذ كانت تتحدث معي وكأن ضحايا الحادث أو المصابين هم أفراد أو أعضاء من أسرتها حتي أنها كانت علي وشك البكاء مما حدث.
قالت لي,إنها ومنذ أن وقع الحادث فكرت كثيرا في أن تتصل بزملائها وأصدقائها وتلاميذها لكي تعزيهم وتؤازرهم في هذا الموقف الصعب,ولكنها لم تتمالك نفسها,حيث كانت في حزن وتعجب كبيرين مما يحدث علي أرض مصر وطلبت مني الدكتورة لطيفة أن أبلغ كل زملائي وكل أصدقائي تعزياتها وأن أقول لهم إن هناك سيدة مصرية تحبهم وتودهم وتؤازرهم في وقت الشدة وأنها تتمني الخير والسلام للجميع مسيحيين ومسلمين.
وربما ليس جديدا أن أذكر للقراء هنا أن ما حدث معي من استقبال مكالمات العزاء حدث مع كثيرين من زملائي وأصدقائي المسيحيين حيث تلقوا مكالمات تليفونية من زملائهم وأصدقائهم المسلمين من داخل مصر وخارجها يعزونهم ويواسونهم بكلمات الحب والسلام.
قد يستقبل البعض ما ذكرته باعتباره كلاما عاطفيا مهدئا لكنه في الواقع موقف يجب ألا نستهين به,لأن الأمل الكبير في علاج مشكلات الأقباط وهمومهم والتي هي هموم مصرية أولا وأخيرا هو في هؤلاء المستنيرين المنيرين,من أجل مواجهة دعاة التطرف والعنف ,والعمل علي تأكيد معاني العيش المشترك والعمل الجماعي البناء,إنها نماذج لابد وأن نحتفي بها وأن نذكرها بين الحين والآخر,لأنها نماذج من نتاج حوار الحياة اليومية المشتركة بين المواطنين المسلمين والمواطنين المسيحيين علي أرض مصر,يجمعهم تاريخ مشترك ونضال مشترك يواجهون تحديات وهموما مشتركة ويعملون معا علي تجاوزها إلي آفاق أكثر رقيا وتقدما وأكثر رحابة من العيش المشترك الإيجابي والفعال.
زين الكلام
لأن أستاذتي الدكتورة لطيفة سالم والتي أعتز بها كثيرا هي بالأساس أستاذة تاريخ فإنني أستعيد هنا مقولة مهمة من التاريخ الحديث حيث أذكر ما قاله يوما ما العلامة الشيخ الجليل رفاعة رافع الطهطاوي1801-1873موالذي يعد رائد التنوير في مصر الحديثة عن قيمة الوحدة الوطنية في مصر حيث قال:ليكن الوطن محلا للسعادة المشتركة بيننا ,نبنيه معا.