ما يحدث في مصر ليس خلافا عاديا بل وليس اختلافا بين كتل متنوعة, إنه انقسام عميق وحاد حول مسائل جوهرية في السياسة ومن ثم من الصعب حله. الاخوان المسلمون ومعهم كل التنويعات الإسلامية التي خرجت من عباءتهم والتي تدور في فلكهم بدرجة أو بأخري في جانب, ومعظم مكونات المجتمع المصري الأخري في جانب آخر, ولا تصلح الحلول التوافقية أو التنازلات للوصول إلي حل وسط, نحن أمام طرق مختلفة تماما وتوجهات مغايرة بل متصادمة, وهناك العديد من أوجه هذا الانقسام:
* الانقسام حول اكتمال الثورة, فالاخوان وحلفاؤهم يجزمون بأن الثورة انتهت ونجحت بوصولهم للحكم عبر صناديق الانتخابات, ويرون بالتالي أن ما يحدث هو فوضي وتعد علي الشرعية, في حين يري صناع الثورة الحقيقيون أن الثورة لم تكتمل وأنها اختطفت من القوي الإسلامية لمحاولة تغيير اتجاهها وأهدافها بل والذهاب بها إلي طريق يعادي الأهداف التي قامت من أجلها, ولهذا يري الثوار أن شرعية الثورة والنضال الثوري مستمر حتي يتم إعادتها لمسارها الصحيح لصالح الشعب وليس لصالح جماعة دينية.
* هناك انقسام حول حدود سلطة الصندوق, فالاخوان يتصورون أن الانتخابات منحتهم تفويضا كاملا للسيطرة علي كل شئ, وقد نجحوا بالفعل في تمرير دستور يؤسس لإستبداد جديد وعدد من القوانين المعيبة مثل قانون الأحزاب وقانون الانتخابات وقانون حماية الثورة, وقد ترتب علي هذا الخطأ في التصور عدد آخر من الخطوات التي تمهد لفاشية دينية قد تطيح بكل مقومات الدولة المصرية في سنوات معدودة, في حين يري العقلاء أن تفويض الصناديق هو تفويض مؤقت ومقيد بسلطة القانون وبرضي الشعب,فإذا قام المنتصر في الانتخابات بإصدار قوانين تؤصل لسلطة مستبدة ففي هذه الحالة تسقط شرعيته وشرعية هذه القوانين أو الدساتير وتعود السلطة مرة أخري للمربع الأول وهو الشعب, ولهذا نشأت في الأدبيات السياسية الحالية ما يسمي ب ## سلطة المجتمع المدني##, فالمجتمع المدني هو المعبر عن نبض الجماهير في الفترات التي تفصل الانتخابات,والمجتمع المدني يراقب ويقيم أداء السلطة, وعندما تخرج الجماهيرحاشدة للشوارع معترضة علي سلوك السلطة المنتخبة فعلي هذه السلطة أن تستمع وتنفذ إرادة الشارع أو تدعو لإنتخابات جديدة, وإن لم يحدث هذا فيكون من حق الجماهير إسقاط السلطة, وهذا هو مفهوم الثورات, فعندما يحدث انسداد يمنع تحقيق رغبة التيار الرئيسي يكون ذلك قمعا, فلا يوجد في الديموقراطيات الصحيحة شئ اسمه التفويض الكامل ولا السلطة المطلقة, فالسلطة المطلقة هي مفسدة مطلقة كما يقول لورد أكتون. الديموقراطية والانتخابات كلها أمور جاءت من أجل المواطن ولخدمة المواطن بل الدولة ذاتها خلقت من أجل المواطن وليس المواطن من أجل الدولة,فالدولة القمعية أو الفاسدة أو المستبدة من حق المواطن إسقاطها وليس النظام فقط, ففي كثير من الأنظمة القمعية تتماهي مؤسسات الدولة مع النظام القمعي فتصبح جديرة بالسقوط والتهاوي والتفكيك.
* الانقسام الخطير حول هوية الدولة وعلاقة الدين بالسياسة, فالإخوان لا يعترفون بالدولة القومية ولا بالدولة الوطنية ولا بالدولة الحديثة,في حين أن الثورة قامت أصلا علي أرضية الدولة الحديثة ومن أجل إصلاح شئونها لصالح جموع المصريين.وهناك ازدواجية حتي في أعلي منصب سياسي, فهناك رئيس وهناك مرشد, والعجيب أن الرئيس قدم البيعة للمرشد يوما ما, ومعني ذلك أن سلطة المرشد وموقعه يفوق سلطة الرئيس علي نمط النظام الإيراني.
* الانقسام حول حصة الاخوان من الوظائف العامة, فقد تصور الإخوان أن مصر ملكية خاصة لهم ومن ثم أفرطوا في منح أنفسهم المناصب بدون مراعاة لقواعد العدالة والكفاءة والمواطنة, فالمواطنة تعني التساوي الكامل في فرص التوظف للجميع بناء علي معيار الكفاءة وليس الجدارة المبنية علي الثقة في العشيرة, وهذا الخلل بالتأكيد سيؤدي إلي حالة غبن وغضب واسعة ستنفجر في وجه السلطة طالما أن قواعد العدالة غائبة.
* الانقسام حول آليات التغيير ذاتها, فالاخوان مصرون علي البقاء في السلطة حتي تتم خطة التمكين وتفكيك مؤسسات الدولة وإعادة بنائها لصالح جماعتهم كما حدث في غزة وفي إيران ولم يتركوا للمصريين وسائل سلمية للتغيير وبالتالي لم يبق سوي القوة والعنف, وهم يمتلكون الكثير منها ويعملون بهمة من أجل السيطرة علي مصادر القوة الصلبة في مصر.كل هذا سيجعل الطرف الأكثر عددا سيتجه للفوضي للتعبير عن سخطه علي هذا الفعل الإخواني.
* الانقسام حول رؤية الحقيقة, فالإخوان يرون أنهم يملكون ناصية الحقيقة وناصية الإسلام الصحيح, ووفقا لهذا الفهم المغلوط اعتبروا أنفسهم مفوضين من قبل الله للتحدث باسم الإسلام وحمايته, ورغم أن هذا وهم كبير إلا أنه وحتي لو افترضنا صحته, فانه يأخذ السياسة والدولة إلي منحي آخر ومنطقة أخري. نحن نتكلم عن دولة لها قواعد في الإدارة وليس عن دين يحكمه الغيبيات الايمانية والعلاقة الشخصية بين الإنسان وربه. المصريون يحتاجون لمن يدير دولة بكفاءة ولا يحتاجون مطلقا لمن يعلمهم الدين لأنهم متعمقون فيه بدرجة لا تحتاج لأي مزايدات.
لكل هذا تبقي السيناريوهات المطروحة في مصر إما تمكن الإخوان من السيطرة الكاملة علي السلطة والدولة وإما تمكن القوي الثورية من إسقاط حكمهم.