هناك أسباب كثيرة وراء تصاعد حالة العنف والفوضي في مصر بعد ثورة 25 يناير, منها أسباب سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية ودينية وأخلاقية وتعليمية واسرية, ولا يتسع المجال هنا لتحليل كل هذه الابعاد ولهذا ساركز في هذا المقال علي الأسباب السياسية للعنف ونختصرها في الأسباب الآتية:
* الانسداد السياسي والعناد السلطوي
تتخذ السلطة السياسية الحالية طريقا لتمكين جماعة الإخوان المسلمين من السلطة بكافة السبل, ولهذا فهي لا تستمع لأي نصائح سياسية, أو حلول توافقية تجعلها تحيد عن هذا الهدف,يرافق ذلك احساس مرعب عند جماعة الإخوان أن البديل لانتصارهم المطلق هو دخولهم السجون, وربما تعرضهم للقتل, ولهذا تعاند السلطة مواطنيها والجماعة السياسية المصرية عناد سلطوي قهري بشكل جعل الافق السياسي مسدودا أمام التغيير الحقيقي بالوسائل المتعارف عليها في الديموقراطيات الحديثة.
* غياب العدالة وسقوط دولة القانون
عندما تشيع المظالم وتتفاقم وفي نفس الوقت تغيب العدالة وتعمل السلطة علي إسقاط دولة القانون, يتجه المواطنون والجماعات السياسية إلي تحقيق أهدافهم والحصول علي حقوقهم بالقوة, وتزدهر ثقافة الثأر ويحنق المواطن علي السلطة ويحتقرها ومن ثم يتجرأ عليها لأنها الشريك الأساسي في المظالم بينما المقترحة أنها الجهة المنوط بها تحقيق العدالة وحراستها ودعم استقلالها. في جامعة هارفارد يعلمون الطلبة بأن القانون هو ## القيود الحكيمة التي تجعل الرجال احرارا##, فالقانون هو قيد رضائي لكي يشعر المواطن بالحرية والامن والمساواة والعدل, وعند غياب هذه القيم وغياب منظومة العدل سواء القوانين العادلة أو السلطة القضائية المستقلة فهذا معناه إعطاء ضوء أخضر للفوضي والعنف.
* غياب الأمن وانحياز أجهزته للسلطة
تعمقت الفجوة بين المواطنين وأجهزة الأمن بعد 25 يناير, وبدلا من إعادة هيكلة هذا الجهاز لصالح الوطن والمواطن, سلك نظام مرسي نفس طريق نظام مبارك وهو تدعيم سلطة الأمن لكي تكون حامية للسلطة علي حساب المواطن, واستمرت سياسة الإنفاق الباهظ علي أدوات حماية السلطة من غازات مسيلة للدموع وأدوات فض التظاهر السلمي. أيضا استمر هذا الجهاز في التركيز علي أمن السلطة والأمن السياسي وتراجع الأمن الجنائي إلي اقصي درجة,باختصار سياسة حبيب العادلي مستمرة في حكم وزارة الداخلية.
* مليشيات الاخوان
اقصر طريق إلي الفوضي والعنف والدولة الفاشلة هو وجود مليشيات مسلحة ومدربة ومستعدة للاشتباك. الدولة هي الجهة الوحيدة المنوط بها احتكار العنف القانوني ومصادر القوة الصلبة. عدم المساواة في القوة بين الدولة والمواطن هو الذي يخلق النظام. ولكن الوضع في مصر مختلف, فهناك مليشيات إخوانية ضالعة في أمور كثيرة بدون تحقيق قضائي واحد, وهناك مليشيات حليفة للإخوان سواء في حماس أو حازمون أو جماعات إسلامية أخري. هذا وضع المواطن أما خيارين أما الخضوع الكامل للعنف والطغيان الإخواني أو مواجهة هذا العنف بعنف آخر حتي ولو لم يكن علي مستوي العنف المليشياوي المنظم,وإذا استمر هذا الوضع سوف تخلق ظروف الصراع مليشيات أخري لمواجهة عنف الشرطة المتحالفة مع السلطة أو لمواجهة عنف هذه المليشيات.
* ثقافة الكراهية والتحريض علي العنف
في أجواء الدولة الدينية التكفيرية تتصاعد بسرعة ثقافة الكراهية والحض علي العنف والقتل, وقد خرج كم هائل من الشخصيات الغريبة العجيبة التي تتبني كل يوم خطاب كراهية يدعو إلي العنف والقتل ضد معارضي الإخوان, ولا يكاد يمر يومبدون إطلاق فتاوي أو دعوات لقتل هذا أو ذاك, ويتحصن هؤلاء في كلام ديني يفسرونه وفقا لمصالحهم السياسية. إن الدولة الدينية هي أكثر نماذج الدول ممارسة للعنف والطغيان والسلطوية, وكلما اقتربت مصر من هذا النموذج كلما تصاعدت وتيرة العنف والقتل والكراهية والاقتتال الاهلي.
* سقوط جدار الخوف
مع موجة الانتفاضات التي عمت الشرق الأوسط في العامين الماضيين سقط جدار الخوف وجدار هيبة السلطة والخضوع لنزواتها, ومع طول فترات القمع تشكل لدي المواطن عداء لهذه السلطة ولمن يمثلها, ومع كل خطوة تتخذ لعودة النظام السلطوي مرة أخري تزداد عدائية المواطن للسلطة ويتذكر الأيام الطويلة التي انتهكت فيها السلطة آدميته وأذلته ونكلت به, ولهذا يقاوم هذا الرجوع بكل الطرق حتي ولو ضحي بنفسه في معركة غير متكافئة مع القيادة الجديدة التواقة لعودة النظام السلطوي.
* الاحباط وضياع الآمل
ارتفعت الآمال إلي عنان السماء بعد الثورة في الحرية والكرامة الإنسانية والعدالة الاجتماعية والازدهار الاقتصادي وتحسن مستوي المعيشة ,وفجأة يحدث العكس تماما تراجع مخيف في الاوضاع الاقتصادية والمعيشية, غياب للأمن, استمرار إنتهاك الكرامة الإنسانية. وقد حمل المواطنون ضياع الأمل علي السلطة الحاكمة نتيجة سوء إدارة المرحلة الانتقالية وخطف الدولة إلي اتجاه خطر.
* طبيعة المرحلة الانتقالية
تتسم المراحل الانتقالية بعد الثورات ببعض الفوضي وبعض العنف, يعمق من هذا العنف سوء إدارة المرحلة الانتقالية والصراع علي السلطة, وفي حالة غياب معايير واضحة وشفافة ونزيهة لانتقال السلطة يأخذ الصراع شكلا عنيفا, ومع التباين الجذري في شكل الدولة وهويتها وطبيعتها بعد الثورات يزداد الصراع عنفا نتيجة صعوبة الحلول التوافقية.
* الخداع والوعود الكاذبة
اتخذت السلطة بعد 25 يناير طريقا ملتويا ملئ بالكذب والخداع والتضليل ونقض العهود والإنقلاب حتي علي أسس الشرعية, ولهذا تأكلت شرعية النظام سريعا ليس فقط نتيجة الانحراف عن وعوده التي قطعها علي نفسه أمام المواطنين ولكن أيضا للسير عكس ما قاله تماما بل واختطاف الثورة إلي اتجاه مغاير لأهدافها. وعندما تسقط شرعية نظام ويكابر أو يعاند أو يعيد هيكلة المؤسسات لصالح تزوير إرادة الناخبين يكون العنف لا محالة طريقا للصراع السياسي, فالتنافس يتحول إلي صراع, والحوار يكون بالرصاص والقنابل.
واخيرا-الانقسامات العميقة في المجتمع
كل هذه العوامل أدت في النهاية إلي انقسامات عميقة في المجتمع تتسم بالعداء وليس التنافس, فالتنافس تحول إلي صراع والصراع إلي عداء, والعداء إلي عنف.