تتجمل محافظات الصعيد الأعلي بكم هائل من الأديرة القديمة ذات الطابع الخاص والتي تحمل بين جوانبها عبق التاريخ وإصالة الماضي ورجاء المستقبل المضيء الذي إذا ركزت عليه صناعة السياحة في مصر تتفوق علي كل العالم. لأن مصر أصل الحضارة لم تكن آثارا فرعونية وعبادات وثنية كما تتناولها وسائل الإعلام وتحكي عن ماضيها.إنما مصر أول من عرفت التوحيد قبل أن يعرفه العالم وعرفت الدين الحقيقي قبل أن يكرز به الرسل ويكفي أن مصر هي البلد الذي علي أرضه تكلم الله مع موسي في القديم ويكفي إنها البلد الوحيد التي زارها السيد المسيح وهو طفل مع العائلة المقدسة نعم لقد تقدست أرضها لذا فمنها خرج الأنبا أنطونيوس وعاش فيها القديس باخوميوس وجال بين ربوعها الأنبا شنودة رئيس المتوحدين وانتشرت علي أرضها وفوق جبالها الأديرة والكنائس وكان لصعيد مصر النصيب الأكبر منها ولاسيما الصعيد الأعلي الذي نحن بصدده الآن نتكلم عن واحدة من قراه عرفها التاريخ وأحبها وعرفتها الحضارة ودخلت معها في رحلة طويلة ألا وهي قرية المحروسة.
اسم حديث أطلق بقرار للرئيس الراحل جمال عبد الناصر في عام 1965م لقرية مصرية قديمة لها جذورها التاريخية في محافظة قنا كانت منعوتة بقرية البلاص قديما وهو اسم فرعوني معروف في اللغة القبطية بمعني الإناء والمقصود به إناء الفخارأي المصنوع من الطين المحروقنسبة لما تشتهر به هذه القرية في هذا النوع من الحرف الصناعية التي يرجع تاريخها إلي حضارة نقادا الأولي في عصر ماقبل الأسرات 3900-3650 وتبلغ مساحة هذه القرية حوالي2860 فدانا تقريبا ويبلغ عدد سكانها33ألف مواطن تقريبا تقع علي مسافة 18كم جنوب قنا جاء عنها في القاموس الجغرافيإنها من القري القديمة واسمها الأصلي بلاص كما ورد في جغرافية أميلينو ووردت في معجم البلدان بلاص قرية بصعيد مصر تجاه قوص في شمالها غربي النيل وعلي بعد 12 كيلو مترا من قوص ووردت في قوانين ابن مماتي وفي تحفة الإرشاد من أعمال أقوصيه ووردت في التحفة البلاص مع دير كهمس يوجد في قرية المحروسة كنيسة علي اسم القديس العظيم مارجرجس أقيمت بعد حوادث السرقة والنهب التي تعرض لها الدير الموجود بالجبل والتي في أثناء تشييدها عثر أهل البلد علي بئر كان كل من يشرب منه يبرأ من علة به وقيل إنه لما أراد أحد القائمين علي البناء ردمه أصيب العامل المنوط له هذه المهمة بالعمي وصرخ فتقدم الكاهن وأخذ من ماء البئر وغسل به عيني العامل الأعمي وللتو فتح وأبصر وبقي البئر بدون ردم بالكنيسة التي بقرية المحروسة التي يتعايش أهلها في محبة واحترام متبادل.
دير مارجرجس بحاجر المحروسة
علي مسافة 2كم غرب قرية المحروسةالبلاص سابقاوعلي مسافة 20كم من قنا المدينة علي الطريق الذي يصل إلي نقادا يقع هذا الدير وهو من الأديرة القديمة التي بنيت في عصر الملك قسطنطين والملكة هيلانة أمه التي اهتمت بعمارته كما هو معروف عنها في بناء أديرة كثيرة في الصعيد والوادي تزامن بناء دير المحروسة مع بناء دير القديس جرجس بالرزيقات لذا كان الشكل المعماري لكل منهما هو النظام البيزنطي القديم الذي من أهم معالمه هو القباب وتعرض الدير للتخريب والنهب لفترات طويلة ويقول كتاب الدليل إلي الكنائسوالكنيسة الموجودة الآن يرجع تاريخها إلي القرن الثامن عشر والتي تتحلي بالاثنتي عشرة قبة ويقع بابها في الحائط القبلي ويفتح الباب علي الصحن الذي يتوسطه أربعة أكتاف تحمل القباب وفي وسط صحن الكنيسة يقع المغطس الذي تبلغ أبعاده 2*2م. والكنيسة بها ثلاثة: هياكل كما تقع المعمودية في الركن البحري الغربي ورد اسم دير مارجرجس في كتابات الرحالة عبد اللطيف البغدادي1375-1376مكما أكدت مخطوطة في القرن الخامس عشر إنه مازال موجودا في ذاك القرن.اعتاد كثير من اللصوص والبربر مهاجمة هذا الدير اعتقادا منهم أن الذين يقصدونه من الأغنياء وبسبب تكرار هذه الاعتداءات أهمل الدير إلي أن جاء عهد نيافة الحبر الجليل نيافة الأنبا مكاريوس مطران قنا وتوابعها واهتم بعمارة الدير مرة أخري وأكمل عمارته من بعده نيافة الأنبا شاروبيم الذي جاء من بعده وفي هدوء الملائكة اهتم اهتماما خاصا بتعمير دير مارجرجس بحاجر المحروسة وأقام حوله سورا خارجيا وجدد الكنيسة القديمة والتي بها ثلاثة مذابح الأوسط علي اسم القديس جرجس الروماني والبحري علي اسم القديس الأنبا شنودة رئيس المتوحدين والقبلي علي اسم السيدة العذراء مريم وتقام بها الآن التسبحة اليومية والقداسات وأعيدت الحياة مجددا لهذا الدير العظيم الذي ظل واقفا متشامخا بقوة الله ضد كل قوات الشر وكأنه يقول هذا هو الإيمان القبطي الذي لايهتز أمام كل قوي الطغيان والإرهاب بل أصبح فيه مبان حديثة للخلوة تسع أعدادا كبيرة وبالدير مزرعة ومكتبة وسلخانة ومزرعة سمك وبيت للضيافة ومساحات كبيرة لاستقبال الزوار الذين يزورون الدير في أعياد القديس جرجس أمير الشهداء ويمكن الوصول إلي الدير بالأتوبيس أو السيارات الخاصة عن طريق قنا الأقصر الجديد السريع الذي يقع غرب النيل ثم الاتجاه يمينا للقادم من بحري أو يسارا للقادم من قبلي وعلي مسافة كيلو متر من الطريق السريع نجد بوابة الدير الحديثة.
لقد كان لهذا الدير بصمات خاصة في تاريخ الكنيسة القبطية ولاسيما إيبارشية قنا وتوابعها بل في الكنيسة القبطية كلها فيكفي أن من هذه القرية البسيطة خرج آباء أساقفة ورهبان لهم دور فعال في إدارة الكنيسة وفي إدارة أديرة رهبانية لها شأنها في هذا العصر فعلي سبيل المثال لا الحصر أكون فخورا أن أشير إلي نيافة الأنبا أبرأم أسقف الفيوم المحبوب ورئيس دير الملاك العامر بجبل النقلون وعضر سكرتارية المجمع المقدس للكنيسة القبطية ورئيس مجلس إدارة رابطة خريجي الكلية الإكليريكية والمدرس بالكلية الإكليريكية وفروعها كما أذكر أيضا نيافة الأنبا مينا أسقف ورئيس دير مارجرجس بالخطاطبة وهو أيضا من أبرز شخصيات قرية المحروسة التي تمتد جذورها إلي عصور ماقبل التاريخ حقا إنها جزء من مصر المحروسة التي لها علينا الكثير من حقوق.
كلمة من الصميم:هل آن الأوان لصناعة السياحة في مصر أن تدخل بقرية المحروسة في سجلاتها الإعلامية وتظهرها علي خريطتها السياحية إنها إضافة يجب علي الإعلام السياحي أن ينظر إليها مهتما.
المصادر:-تاريخ المسيحية في أبروشتي نقادا وقوص-القاموس الجغرافي- الكنائس والأديرة القديمة من الجيزة لأسوان-سيرة أمير الشهداء مارجرجس وتاريخ ديره بحاجر المحروسة-بطل الشهداء جورجيوس للشماس باقي جيد بشارة- ومواقع مختلفة علي الإنترنت.