عرضت لك عزيزي القاريء في الحلقتين الماضيتين ما ورد في الكتاب المقدس بعهديه من نصوص تشهد أن القرعة كانت تستخدم منذ قديم الزمان في الاختيار والتوريث وتوزيع الأنصبة بين البشر حتي وصلت إلينا في العهد الجديد
عرضت لك عزيزي القاريء في الحلقتين الماضيتين ما ورد في الكتاب المقدس بعهديه من نصوص تشهد أن القرعة كانت تستخدم منذ قديم الزمان في الاختيار والتوريث وتوزيع الأنصبة بين البشر حتي وصلت إلينا في العهد الجديد واستخدمت في اختيار التلميذ الذي يأتي بديلا ليهوذا الخائن فقال لنا سفر الأعمال فأقاموا اثنين يوسف الذي يدعي برسابا الملقب يوستس ومتياس.و صلوا قائلين أيها الرب العارف قلوب الجميع عين أنت من هذين الاثنين أيا اخترته ليأخذ قرعة هذه الخدمة و الرسالة التي تعداها يهوذا ليذهب إلي مكانه ثم ألقوا قرعتهم فوقعت القرعة علي متياس فحسب مع الأحد عشر رسولا أع 1 : 23-26 وبهذا الموقف الكتابي لم تعد القرعة بدعة أو أمرا يستهان به ولكنها باتت تدخلا إلهيا للاختيار ولاسيما أنها تتم بعد صلاة وطلب من الله أن يتدخل في عمل مستقبلي في تاريخ الشعوب وكان من الضروري استخدامها عند الحاجة وبدون تردد لكي يحسم الله المواقف والاختيارات ولجأت الكنيسة القبطية في تاريخها إلي القرعة في اختيار البطاركة في الأوقات التي كان يتقدم فيها أكثر من شخص وصعب المفاضلة بينهم وأحب أن أسطر لك عزيزي في السطور القادمة بعضا من بطاركة الكنيسة الذين اختيروا عن طريق القرعة وأقاموا نهضة مباركة في الكنيسة ففي القرن الثامن الميلادي جاء تاريخ الكنيسة يحمل لنا حبرية البابا يوحنا الرابع 48 ( 777-799م) الذي كتب عنه التاريخ فقال كان مداوما علي العبادة والنسك في دير القديس مقاريوس, فاختاره البابا السادس والأربعون ورسمه قسا. لما تنيح الباب السابع والأربعون, اجتمع الأساقفة والكهنة والشعب يصلون القداسات لمدة ثلاثة أيام ثم عملوا قرعة هيكلية فوقع الاختيار علي هذا الطوباوي من ضمن مجموعة من الرهبان ثلاثة مرات متتالية ففرحوا به ورسموه بطريركا. فأحسن الرعاية وأحب شعبه وكان كثير التعليم والوعظ, كثير الرحمة علي الفقراء والمحتاجين. ولما دنا وقت نياحته دعا كهنته وقال لهم إني ولدت في 16 طوبة, ورسمت بطريركا في 16 طوبه وسأنتقل من العالم في 16 طوبة… وأخبرهم بأن تلميذه مرقس سيخلفه في الكرسي المرقسي, ثم تنيح بسلام, وتحتفل الكنيسة بنياحته في 16 طوبة من كل عام .
وجاء أيضا عن البابا ميخائيل الثالث البطريرك 71 (1145-1146 م ) الذي اعتلي الكرسي المرقسي عن طريق القرعة الهيكلية في سنكسار الكنيسة تحت يوم 3 برموده.
في مثل هذا اليوم من سنة 862 ش (29 مارس 1146 م) تنيح الأب القديس البابا ميخائيل الحادي والسبعون من بطاركة الكرازة المرقسية وقد اشتاق إلي السيرة الطاهرة فترهب بدير القديس مقاريوس. ولبث في البرية إلي سن الشيخوخة في سيرة صالحة مرضية. فلما تنيح البابا غبريال السبعون. قضي الأساقفة والكهنة والأراخنة ثلاثة شهور في البحث عمن يصلح خلفا له وتقدم لترشيح نفسه راهب من دير القديس مقاريوس يدعي يوأنس بن كدران يعاونه في ذلك الأنبا يعقوب أسقف طنطا إلا أن أساقفة الصعيد وكهنة الإسكندرية وأراخنة مصر لم يقبلوا ذلك, أخيرا اتفق الجميع علي اختيار ثلاثة من الرهبان وهم: يوأنس أبو الفتح. وميخائيل من دير القديس مقاريوس. وسليمان الدخياري من دير البرموس. وألقوا قرعة بينهم فأصابت الراهب ميخائيل فرسموه بطريركا في 5 مسري سنة 861 ش (29 يوليه سنة 1145 م) وكان شيخا جليلا محبا للفقراء والمساكين. واتخذ له كاتبا يحرر له ما يرسله إلي الأساقفة والكهنة من العظات والتعاليم. ولما مرض توجه إلي دير القديس مقاريوس وهناك تنيح بسلام بعد أن أقام علي الكرسي ثمانية شهور وفي خلال مدة رئاسته أقام في عهده ثمانية أساقفة, منهم أسقف علي كرسي شبرا الخيمة, وكرسي شبرا دمنهور, وكرسي لمنية ابن خصيب بالوجه القبلي (المنيا), وكرسي أخميم وكرسي البلينا.
وفي القرن الثالث عشر يذكر لنا التاريخ ما حدث مع البابا غبريال الثالث البطريرك 77 (1268-1271م) بعد أن تنيح البابا أثناسيوس الثالث, رشح أراخنة القاهرة الأب غبريال, فاختاروه ورسموه قمصا… ولكن بعض الأراخنة رشحوا يوأنس بن أبي سعيد… فصلوا قداسا ثم عملوا قرعة هيكلية فسحب اسم غبريال, فنازعه يوأنس وجماعته وأبطلوا القرعة وقدموا يوأنس بطريركا في 6 طوبة سنة 978 ش وأقام بطريركا ست سنين وتسعة شهور وتسعة عشر يوما ثم انزوي في ديره, وتولي مكانه البابا غبريال الثالث من 24 بابه سنة 985 ش حتي 6 طوبة سنة 987 ش, ثم عزل غبريال وأعيد يوأنس بأمر السلطان في 7 طوبة987ش.
تنيح البابا غبريال في مدة رئاسة البابا يوأنس الثانية, فتقدم عليه في جدول الآباء البطاركة.
ورغم قصر المدة التي قضاها البابا غبريال علي الكرسي المرقسي, إلا أنه قام بتكريس الميرون المقدس. وفي أيامه ألزمت النصاري واليهود من قبل السلطنة بشروط حادة, منها صبغ العمايم باللون الأزرق والمراكيب باللون الأحمر وغير ذلك! وأغلقت الكنايس بمصر والقاهرة أولا, ثم سائر الأقاليم ما خلا الديارة وكنايس الإسكندرية وبعض البلاد. ولما وصل رسول الإمبراطور ميخائيل الثامن الباليولوجي (قائد أباطرة نيقية, وقد اغتصب الملك من يوحنا إسكارس الرابع سنة 1256 م) صاحب القسطنطينية, قام بالشفاعة فيهم ففتحت كنيسة السيدة العذراء بالمعلقة بقصر الشمع بمصر وكنيسة ميخائيل.